النفس المأسوي الجديد في مسرحيّة مغامرة رأس المملوك جابر
لدراسة الطّابع المأسوي الجديد الّذي أرساه ونّوس في مسرحيّة "رأس المملوك جابر" يستوجب منّا ذلك وقفة قصيرة حول البنية المأسويةالتّقليديّة وسنركّز على أهمّ مرحلة في تلك البنيّة متّخذين من موقع الجوقة في المسرح التّقليدي مسار لتأويل السّمات الجديدة الّتي أضفاه ونّوس في مسرحيّته .
إنّ الجوقة في المسرح التّقليدي عادة ماتكون في صلب المأساة ، إذ يكون تدخّلها في مواطن حاسمة من المسرحيّة أي عندما يأخذ النّسق المسرحي منعرجا هامّا ، في تعبّر عن خطورة ما ستؤول إليه الأحداث أي أنّها تقوم بدور التّنبيه /التّحذير.
ويمكن أن نتنبّأ بمقتضى ذلك ماسيحصل من مآس ويمكن أن تبرز النّتائج التّي ستحصل. هذه ابرز نقطة نلاحظ من خلالها البنية التراجيدية في المسرح التّقليدي
وبالنّسبة إلى نصّنا :
نلاحظ منذ النّصوص الأولى أنّ النّفس المأسوي حاضر في المسرحيّة، من ذلك النّفس المأسوي في النّص المعنون "سرّ الأمان" الّذي تمّ استنتجاه عبر مواقف المجموعة ، فمواقف المجموعة حاملة لنفس مأسوي يقوم بوظيفة إشاريّة لإبراز مصير الّذين استكانوا ورضوا بهذا الموقف الرّديء "طاعة أولي الأمر في كلّ شيء دون أن يكون للمجموعة موقف" الحكواتي : قل الراوي .. كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان خليفة في بغداد يدعى شعبان المنتصر بالله وله وزير يقال له محمد العبدلي . وكان العصر كالبحر الهائج لا يستقر على وضع . والناس فيه يبدون وكأنهم في التيه . يبيتون على حال ويستيقظون على حال . تعبوا من كثرة ما شاهدوا من تقلبات ، وما تعاقب عليهم من أحداث . تنفجر من حولهم الأوضاع فلا يعرفون لماذا انفجرت ثم تهدأ حينا من الزمن فلا يعرفون لماذا هدأت . يتفرجون ، ثم تهدأ حينا من الزمن فلا يعرفون لماذا هدأت . يتفرجون على ما يجري ، لكنهم لايتدخلون فيما يجري . ومع الأيام اعتقدوا أنهم اكتشفوا سر الأمان في مثل هذا الزمان ، فقنعوا بما اكتشفوا ، ورتبوا حياتهم على أساس ما اعتقدوه أسلم الطرق إلى الأمان ."
====+ سعد اللّه ونّوس لا يوظّف العنصر المأسوي بصفة إعتباطيّة بل من اجل استباق الحدث فهو منذ اللّحظة الأولى من المسرحيّة يهيّأ الأجواء للفاجعة ولكن مايهمّنا الشّخصيّات المأسوية في هذا النّصّ المسرحي مأساتها حقيرة وليست نبيلة
تعبّر عن عواطف وكوامن نبيلة مثلما هو الحال في المسرح الإغريقي التّقليدي حيث تكون فيه الشّخصيّة المأسويّة على وعي بغايتها ومصيرها الفاجع وذلك تضحية منها من أجل تحقيق قيم شريفة ونبيلة على سبيل المثال الشخصيّات المأسويّة في المسرح الإغريقي تصارع الآلهة وهي على علم أنّها في نهاية المطاف على شفى الهاوية والاندثار فالموت ، إنّ تلك الشّخصيّات تصارع من أجل تحقيق نواقص كالحريّة والإرادة أو الحبّ.....
ولكن في نصّنا الشّخصيّات المأسويّة بما فيهم جابر يعيشون مأساة ولكنّهم ليسوا على وعي بهذه المأساة فالمجموعة استكانت على ذلك الوضع بأن لا تتدخّل في شؤون الرّعيّة معتقدين أنّ ذلك سرّ الأمان ولكن تتطوّر الأحداث ومجريات القصة إلى أن أصبحوا تحت وطأة الخطر الخارجي الّذي محق مدينتهم ، وأمّا جابر أخذته الأحلام والأماني من أجل الفوز بزمرّد إلى أن دبّر حيلة للوزير بادر بتنفيذها ولكنّه ليس على علم بتلك الفاجعة.
====+الوجه المأساوي الجديد في مسرحيّة رأس المملوك جابر يتلخّص في التّالي:
أوّلا الشّخصيّات المأسوية تعيش المأساة ولكنّها ليست على وعي بيها عكس المسرح الإغريقي حيث تكون على وعي بتلك المأساة.
ثانيا المأساة في المسرح الإغريقي نبيلة حاملة لقيم شريفة ولكّنها في مسرحيّة المملوك مأساة حقيرة لا نبيلة من ذلك أن المجموعة يؤول مصيرها إلى الموت تحت راية الجبن والخوف ، وأمّا جابر ينتهي بفاجعة قطع رأسه لأنّه سلك مسلك الخيانة والانتهازية لتحقيق مآربه .
وهذا التّحوير في مستوى بنيّة المأساة الّذي قام بيه ونّوس يتلخّص أيضا تحت غاية رفع الحاجز بين المساحتين لإقامة حوار حار ومرتجل ، فما قام بيه هو وسيلة من الوسائل المصطنعة ، تهدف للاستفزاز المتفرّج أو القارئ ليكون عنصر فعّال عبر
تأويلاته ومواقفه من مجرى الأحداث