بسم الله الرحمن الرحيم
فنّ القصّ عند عمر بن ابي ربيعة
تعددت الدراسات حول شخصية عمر، وكثر الحوار حول تفسير دوره في سياق التخصص الفني والبيئي في شعره الغزلي على غرار ما صنعه الأستاذ العقاد في كتابه المتميز " شاعر الغزل "، وما سار على نهجه من دراسات في تحليل الظاهرة " العُمَرية" في تحوُّلات الغزل المكي على يديه إلى مدرسة لها مريدوها وتلاميذها وامتدادها على طريقة الأحوص في المدينة المنورة، والعرجي في مدينة الطائف، مع اقتراب السلوك العمري أصلا من مسلك سلفه امرئ القيس إلا أنه لم ينخرط في مثل فجوره وتهتكه.
تميزَّت المدرسة "العمرية" بتحول الغزل الطبيعي للشاعر إلى نمط مفارق يصور من خلاله سعي المرأة وراءه، وعنده ظهرت القصة الغزلية بشكل جديد، بما فيها من تعددية نسائية، وتصوير للعواطف الأنثوية؛ الأمر الذي دفع بعض الباحثين إلى محاولة قراءة الدوافع والبواعث العمرية موزعة بين عقدة " النرجسية " و" الاستعلاء " تارة، وبين الظروف الاجتماعية المرتهنة بتدليل الأم لابنها اليتيم، وقربه من عالم المرأة وصاحباتها مع زحام الجواري والعبيد من حوله تارة أخرى، إلى شيوع حرية الاختلاط وانتشار دور الغناء مع كثرة القيان، مما دعا الشاعر الغزِل إلى الاستغراق في هذا النمط الخاص حتى عُرف بزعامة مدرسته، وعُرفت بـه تلك المدرسة.
تعَّددت المرويات التاريخية، وتضاربت الأخبار حول صدى الأحداث على شخصية عمر، وغلب على بعضها الطابع القصصي، لاسيما مالم يتواتر منها عبر المصادر التاريخية، وظل يروى على ندرة، بما يحتاج المراجعة من خلال قراءة عطاء النص ، أو الاحتكام إلى العقل، أو متابعة الفواصل بين سنوات التاريخ أو تواتر الرويات على غرار ما روى عن نَفْيه إلى الطائف، أو نفيه إلى جزيرة في البحر الأحمر اسمها "دهلَك" قرب اليمن، أو أنه غزا في البحر واحترقت به سفينته، وهي مرويات لا تتسق مع منهج حياة عمر الذي خلّف ديوانه في الغزل الحجازي كاشفا عن تخصصه فيه على المستوى الشخصي والفني والإقليمي على السواء.
تخصص عمر في نمط معين في فن الغزل لم يعبأ فيه كثيرا بالجواري، بقدر ما جنح إلى انتفاء أرستقراطيات البيئة القرشية من المترفات المنعمات – موضوعات لغزله- على نهج تكوينه ونمط حياته حسبا ونسبا وأصالة وعراقة.
وضع عمر مقومات واضحة للفن القصصي في مغامراته الغزلية، ظهرت بين قصائده ومقطعاته، مما أثرى لديه ملكة الخيال والتصوير، وعكس الكثير من فهمه وإدراكه لنفسية المرأة المعاصرة له، وخبرته بما يسيطر على عالمها من فكر ووجدان، وما يصدر عنها من سلوك وأهواء وأفعال وحوارات.
تجلت عناصر القص والأداء المسرحى المبكر واضحة في الغزل العمرى، بدءا بانشغاله بشخصية البطل التى وُزعت بينه وبين بطلة القصة، إلى البطل الثالث من أختَيْها، أو اللائم، أو العاذل، أو الرقيب، إلى تحريك الحدث واندفاعه نحو التنامي والتصعيد عبر سرده وحوار شخصياته، وصولاً إلى ذروة التعقيد، إلى البحث عن لحظة الحل والتنوير التى تنتهى عندها أزمة المغامر الذي غالبا ما يختم قصته بعودته سالماً إلى دياره بعد ختام رحلته. بعد أن أظهر فيها من بطولة الغزل ما أظهره أسلافه على غرار ما سجله امرؤ القيس من منهجه التصويرى مع مزيد من المبالغة والمزايدة حول تصوير الطبائع النوعية للحيل النسائية، والكشف عن مزيد من المعرفة بدخائل المرأة – موضوع الغزل- واستكشاف ما حول حواراتها ومنطقها من دلالات ورموز استوعبها شعره، وأبرزتها قصصه وحواراته وسرده على السواء