********************************-إنّ ما يطلق عليه اليوم اسم ـ "ثورة الحاسوب" ـ يجب أن لا ينسينا أنّ ما يستطيع هذاالجهاز إنجازه باستخدام الرّموز والأرقام والكلمات والرّسوم، إنّما يخضع لقواعدعلمي المنطق والحساب الّتي يستخدمها الإنسان. هذه القواعد الّتي تمكّن هذا الجهازمن إيجاد الحلول للمشاكل الّتي تعرضها له. وهي الّتي تمكّن العقل البشريّ في الوقتنفسه من الوصول إلى حلول لها عن طريق استخدام الذّكاء الطّبيعيّ. الحاسوب مثلايستطيع التّعرّف على الخطوط، وكسب مباريات في الشّطرنج، وتحديد مكان الخلل فيالآلة، وكلّها أمور يستطيع أن يقوم بها الإنسان، ولكنّ الفرق في ذلك أنّ الإنسانيحتاج إلى وقت أطول ممّا يحتاجه الجهاز الّذي يقوم باختصار الزّمن، ومن جهة أخرىفالإنسان قد وهبه الّله نعمة الذّكاء الّذي يمكّنه من الرّبط بين الأمور ونتائجها،والانتقال من السّبب إلى النّتيجة بقوّة الفكر وألمعيّة الذّكاء، وذاك ما لايستطيعه الحاسوب.
إلاّ أنّ مجالاتالاختصاص في عالمنا الحديث كثيرة متشعّبة، ولكلّ من هذه المجالات معلومات خاصّة به،قد تضطرّ الباحث في الظّروف العاديّة إلى قراءة عشرات الكتب والمراجع لاختيار مايحتاج إليه من معلومات، كي يتّخذ قرارا في أمر معيّن.
والحصول علىالمعلومات واختيار ما نريده منها عمليّة صعبة طويلة معقّدة، تتطلّب تضافر الجهودوتعاون الكثيرين للحصول عليها وتصنيفها بشكل يسهّل على الباحث المقارنة بينها،واختيار ما يحتاجه منها في وقت قصير، وهذا هو المهمّ. فعمليّة معقّدة كعمليّة إطلاقصاروخ إلى الفضاء مثلا، تتطلّب الحصول على معلومات دقيقة ومفصّلة دفعة واحدة،وبسرعة فائقة، تفوق قدرة الإنسان منفردا أو حتّى متضافرا مع غيره. وحتّى العمليّاتالأقلّ تعقيدا من إطلاق صاروخ، كعمليّات إنزال منتج جديد إلى السّوق لنوع جديد منالسيّارات، أو افتتاح مخزن جديد، هذه الأعمال تستغرق كثيرا من الجهد والوقت والمال، وتستلزماتّصالا بالمختصّين، كلّ في مجال اختصاصه، أي الحصول على معلومات قبل الوصول إلىقرار نهائيّ
. من هنا ندركأهميّة الحاسوب الّذي استطاع أن يتخطّى كلّ هذه المصاعب ويحلّها كلّها دفعة واحدة،ويوفّر الكثير من جهد الإنسان ووقته وماله بتقديم فيض من المعلومات فور طلبها وفيوقت قياسيّ. فالتّقنية تيسّرسبل الحياة، وتسهّل مهمّة الباحث للحصول على المعلومات، وتختصر الوقت اللاّزمللوصول إلى النّتيجة المطلوبة.
********************************-لا شكّ أنّ للبرامج التّي تعرض على شاشة التّلفزة فوائد جمّة: إعلاميّة وتثقيفيّةوترفيهيّة.
والقائمون على البثّالتّلفزيّ يجتهدون بشتّى الوسائل والأساليب لاستقطاب انتباه المشاهدين والظّفربإقبالهم على التهام ما يعرضون على الشّاشة الفضيّة في مختلف ساعات اللّيل والنّهارحتّى جعلوا بعضهم لا يتخلّفون عن متابعة برامجهم يهدرون السّاعات الطّويلة من ثمينأوقاتهم ناسين واجباتهم مهملين كلّ ما يبعدهم عنها.
كثيرون هم الأطفالالذّين لا يبرحون مقاعدهم أمام التّلفزيون إلاّ للذّهاب إلى المدرسة أو لتناولالطّعام أو النّوم. يشاهدون بشغف مسلسلات وأفلام فيها من العنف والخيال ما لايتناسب وأعمارهم أو طاقة التّمييز لديهم فيغرقون في أعماقالخيال والتّصوّرات الخاطئة، حالمين بأن يصبحوا يوما مثل "رمبو" أو "داكي شون" أو "باتمان" أبطال هذه الأفلام الخياليّة، ولا توقظهم من تخيّلاتهم إلاّ النّتائجالدّراسيّة الرّديئة فتنبّههم للخطر.
الحكمة أنّ خيرالأمور الوسط ولتكن التّلفزة محطّة للتّثقيف، للتّرويح عن النّفس والتّسلية ولاتأخذ من وقت الدّراسة فتلهي مشاهدي برامجها بالغثّ على حساب الدّسمالسّمين.
فالتّلفزة موجّهةللجميع: للصّغار والكبار، للمثقّفين ومحدوديّ المعارف، لطالبيّ الثّقافة والسّاعينللتّرويح عن النّفس. فليأخذ كلّ منها نصيبه وليدرك الأطفال أنّها سلاح ذو حدّين فيبرامجها ما يفيدهم وفيها ما يضرّ بهم ولينتبه الأولياء بالخصوص وليكن تدخّلهم حازمابترشيد مشاهدة الأطفال للتّلفزيون ولا يتركوا الحبل على الغارب.
********************************-تعاني الصّحف في وقتنا هذا كثيرا من المشقّة في منافسة الرّاديو والتّلفزيون معأنّ الحقيقة أنّ هذه الأدوات الثّلاث يعين بعضها بعضا. ويكمل بعضها بعضا بطريقةتلقائيّة لا عناء فيها.
ففي الولاياتالمتّحدة الأمريكيّة مثلا كان عدد الصّحف اليوميّة عام 1909 ألفين وستمائة صحيفة. ثمّ في عام 1955 هبط هذا العدد إلى 1785 صحيفة فقط. والسّبب في ذلك هو دخول الصّحففي منافسة قويّة مع الرّاديو بنوع خاصّ. ولم تجد الصّحف الأمريكيّة أمامها للتّخفّفمن هذه المنافسة غير طريق واحد، هو طريق إدماج الجرائد والمجلاّت في تكتّلات صحفيّةيساعد بعضا بعضا على الظّهور للجمهور بأخبار كثيرة وموضوعات متنوّعة، وأعمدة شائقة،وصور جذّابة، وموادّ إعلاميّة تزيد على الموادّ التّي يقدّمها الرّاديو. وبهذهلطّريقة الأخيرة تستطيع كلّ صحيفة من تلك الصّحف أن تضمن لنفسها البقاء من أجلالمجموعة الّتي تنتمي إليها. وهي المجموعة الّتي يتحمّل بعضها خسائر بعض من المال. ويزوّد بعضها بعضا بالموادّ الإعلاميّة من جميع الصّور والأشكال.
على أنّ الرّاديومن بين وسائل الإعلام في الوقت الحاضر ما زال يحتفظ لنفسه بمكانة عالية وتأثير كبيرفي نفوس المستمعين. وحسبنا أن نشير من مزاياه العديدة إلى ما يلي:
أوّلا ـ إنّه أصلحالوسائل الإعلاميّة بالقياس إلى المجتمعات البدائيّة أو التّقليديّة وذلك لانتشارالأميّة في هذه المجتمعات، ولسوء المواصلات وقلّة المال الّذي تستعين به هذهالمجتمعات التّقليديّة في إدخال التّحسيات اللاّزمة على هذه المرافق الحيويّة منمواصلات وتعليم وطرق إعلام ونحو ذلك.
ثانيا ـ إنّلرّاديو يمنح المواطنين في البيئات المتقدّمة أو الحديثة حريّة إعلاميّة أوسع منبقيّة الوسائل الإعلامية الأخرى كالصّحف بنوع خاصّ. ذلك أنّ في استطاعة المستمعبحركة بسيطة يحرّك بها زرّا من أزرار الرّاديو أن يستمع إلى محطّات إذاعيّة كثيرةفي وقت واحد. وتستطيع هذه الإذاعات أن تمدّ المستمع بأخبار متنوّعة وآراء وأفكارمتباينة يصحّح بعضها بعضا. وتعطي في النّهاية صورة متكاملة للمشكلة الّتي تتحدّثعنها محطّات الإذاعة المختلفة.
هكذا يتمتّعالمستمعون بحريّة إعلاميّة كبيرة عن طريق الرّاديو، في حين أنّ ثمن هذه الحريّةالإعلاميّة كبير عن طريق الصّحف والمجلاّت والكتب وما إليها.
ثالثا ـ إنّالدّعاية عن طريق الرّاديو ـ ومعه التّلفزيون ـ أعظم أثر ن الدّعاية عن طريق الصّحفوحدها. ذلك أنّ المستمع يظلّ أقدر على التّأمّل والنّقد حين يكون وحده في مكانيستمع فيه إلى الرّاديو أو يشاهد فيه التّلفزيون. ولكنّ المستمع يفقد هذه القدرة فيالغالب عندما يصغي إلى خطبة يشارك في الإصغاء إليها عدد من الجماهير الغفيرة الّتياجتمعت لسماعها. وكذلك الشّأن في لمحاضرة و نحو ذلك.
رابعا ـ إنّالرّاديو قادر دائما على أن يجلنا نعيش في علم غنيّ بالأحاسيس الاجتماعيّة. وربّماكان هذا هو السّبب في التّصرّف الذّي يبدو غير معقول من بعض المواطنين حين يتركونالرّاديو مفتوحا طول النّهار دون أن يصغوا إليه.
خامسا ـ إنّالرّاديو له فضل على الجماهير من النّاحية الّلغويّة البحتة. فممّا لا شكّ فيه أنّالرّاديو يزيد في محصولهم الّلغوي يوما بعد آخر.
سادسا ـ إنّ النّاسلا يتّصل بعضهم ببعض عن طريق النّظر بقدر ما يتّصل بعضهم ببعض عن طريق السّمع. وأصحّ من هذا أن يقال إنّه عن طريق النّظر يتّصل النّاس بالأشياء. ولكن عن طريقلأذن يتّصلون بالأحياء. والفرق بعيد بين الحالتين. ومن ثمّ كان الرّاديو أقدر منسواه على تزويد النّاس بالأحاسيس الاجتماعية والتّأمّلات الذّهنيّة.
********************************-إنّ حرب الدّعاية قد مدّت فترات الإرسال بالرّاديو وبالتّلفزيون كما نّ ثورة وسائلالاتّصال قد قضت على الفواصل الزّمنيّة والجغرافيّة، فأصبح الصّوت مسموعا من خلالالأثير، في كلّ مكان في العالم. ثمّ إنّ اللّغة لم تعد عقبة بعد أن صار أغلبالإرسال مترجما إلى لغات عديدة، بهدف الدّعاية السّياسيّة ورغبة النّظم في مدّتأثيرها على سواها.
كذلك فقد اكتشفرجال الإعلام، أنّ الاعتماد على المادّة الإعلاميّة البحتة قد صار اعتمادا على عنصرجافّ أو قليل القدرة على الجذب والإغراء. عُمِّدَتْ أجهزةُ الإعلامِ على الهواءِ،لجذب الأسماع إليها من كلّ مكانٍ، ومعنى هذا أنّ الإعلام بدأ يتّخذ الإنتاجالثّقافيّ وسيلة إلى تهيئة المستمع والمشاهد لتلقّي دعايته.
أمّا عن الإعلامالمطبوع - أعني الصِّحافة - فقد أدّت ثورة وسائل الاتّصال إلى انتشارها، كما أدّتالثّورة في وسائل النتاج، إلى طبع كمّيات هائلة من الصّحف، فصر حتما على الصّحف أنتعمد إلى إدخال أبواب جذّابة، قدْ تتّصل بالإعلام بسبب وقد تكون ثقافةبحتة.
ومع الانفجارالسكّانيّ، زاد قرّاء الصّحف، فلم تعد كلّ صحيفة قادرة على أن تتبيّن بالضّبطالطّبقة التّي تقرأها ولا المستوى الذّي يداوم على شرائها، بعد أن زادت الكميّاتالمطبوعة زيادة مذهلة، وزاد القرّاء كذلك، ومن هنا، فقد صار ضروريّا أن تعمد الصّحفإلى تنويع مادّتها، وإدخال أبواب جديدة، قد تدخل كذلك في باب الثّقافة بمفهومهالشّامل والعامّ...
حجج حول المحور الثالث
