في بيتنا موهوب! كيف نكتشفه وكيف نعامله؟

جيهان العمران -البحرين :

قد يلاحظ العديد من الآباء بعض الأنماط السلوكية المحيرة لطفلهم، فتارة يرونه عائداً من المدرسة شاكياً باكياً من السأم والملل بسبب رتابة الدروس، أو بطء سرعة المنهج، أو عدم وجود من ينافسه في الصف، أو سخف أقرانه، وتارة أخرى يلقونه عازفاً عن أداء الواجبات المدرسية ليركز انتباهه على لعب الشطرنج، أو الكمبيوتر لساعات طوال دون كلل أو ملل، أو يمضي وقته يتابع قراءة قصص أعلى من مستوى عمره بسنوات بشغف ونهم كبيرين. وأحياناً يمطرهم بوابل من الأسئلة الصعبة التي تنم عن وجود قدرة عالية على التفكير المجرد أعلى من مستوى عمره بكثير، وقد يسأل أسئلة عديدة عن أسرار الكون، والذات الإلهية، والخير والشر، والحياة والموت، في عمر مبكر، بينما أقرانه في عمره نفسه مازال كل منهم يفكر كيف يربط حذاءه.

كما يلاحظ هؤلاء الآباء أن طفلهم يميل إلى مصاحبة أطفال أكبر منه سناً، بينما لا يلقى قبولاً من أقرانه من العمر نفسه، وهو يتسم بالحساسية الشديدة، شديد الوعي بذاته، دائم النقد لنفسه، وعندما يجادل فإنه يجادل بحذق ومهارة، ويتمتع بمهارات فائقة في الإقناع، حتى يفوز برأيه، وهو قادر على أن يقنع الطرف الآخر بالوجه النقيض للمسألة نفسها أيضاً. وحين يتحدث يستخدم مفردات صعبة وكأنه فيلسوف صغير، والغريب في الأمر أن يرى الأبوان في الوقت نفسه هذا الفيلسوف الصغير عندما يخلد إلى سريره لينام يأخذ لعبته معه متشبثاً بها ليشعر بالأمن والراحة.وقد يكون السر وراء هذه الأنماط السلوكية الغريبة وجود موهبة كامنة لدى طفلهم تنتظر الفرصة للظهور والانطلاق، ولكن الآباء يشعرون بالحيرة والقلق حيالها لعدم وعيهم بطبيعة الموهبة وخصائصها، وعدم معرفتهم بدورهم في الكشف عن طفلهم الموهوب، وجهلهم بأساليب توفير المناخ الملائم لتنمية موهبته ورعايتها، وكذلك عدم معرفتهم بأساليب التعامل الصحيح معه، مما يجعل مسألة تربية الطفل الموهوب ورعايته تحدياً كبيراً للأسرة.كما يبين كورنيل (Cornell, 1983) في دراسته أن الأم هي أول من يكتشف أن طفلها موهوب، وإذا كان هناك خلاف بين الأبوين حول إمكانية أن يكون طفلهما موهوباً فإن الأب هو المتشكك في إطلاق هذه الصفة على الطفل.

ولقد حدد كولانجلو وداتمان (Colangelo& Dettman, 1983) دور الأسرة في الكشف عن الموهوب في الخطوات التالية:الخطوة الأولى:التعاون مع المدرسة عن طريق عقد اللقاءات مع معلم الطفل لإعطائه المعلومات الكافية عن طفله الموهوب، لأن المعلم لن يكون لديه الوقت الكافي لكشف الموهبة لدى جميع الطلاب.الخطوة الثانية:عقد لقاءات مع الاختصاصي النفسي أو المرشد النفسي كي يمده بالمعلومات اللازمة عن سلوك الطفل الموهوب، والتعرف على أساليب التعامل الصحيح معه، ومراعاة الخصائص النفسية والاجتماعية للطفل الموهوب، ورعاية قدراته الخاصة.الخطوة الثالثة:اللجوء إلى مصادر الدعم في المجتمع من جامعات ومؤسسات مجتمعية لتوفير المساعدات المادية والفنية لرعاية الطفل الموهوب.ولكن يبدو أن الأسرة كما يؤكد جنسبورغ وهاريسون (Ginsberg& Harrison, 1977) لاتزال تجهل أهمية دورها في الكشف عن الطفل الموهوب، وأن عدد الأسر التي لديها طفل موهوب دون علمها أكثر من عدد الأسر التي تعتقد أن لديها طفلاً موهوباً وهو ليس بموهوب.كما يبين كولانجلو وداتمان (Colangelo& Dettman, 1983)

أن أهم مشكلة تواجهها الأسرة في هذا المجال هي قلة المعلومات التي تمتلكها عن طبيعة الطفل وخصائصه وأساليب الكشف عنه.يتجلى لنا من الدراسات السابقة أن الوالدين يعتبران من أهم المصادر للتعرف على الطفل الموهوب، وأن توقعاتهما دقيقة، وخصوصاً الأم كونها الحاضن الرئيس للطفل، وأن الحكم بأن الطفل موهوب يكون منذ الأيام الأولى من ولادة الطفل.كما تبين هذه الدراسات أن الوالدين يواجهان صعوبات متعددة فيما يتعلق بمسألة الكشف عن الطفل الموهوب، ومن أهم هذه الصعوبات عدم توافر المعلومات الكافية حول طبيعة الموهوب وخصائص الموهوبين، وأساليب الكشف عنهم، وكذلك في تحديد ما إذا كان طفلهما موهوباً أم لا.دور الأسرة في تنمية الموهبة لدى الطفلإن دور الأسرة في تنمية الموهبة أو الإبداع يمثل تحدياً آخر يواجه أسر الموهوبين من أجل توفير البيئة الميسرة لتنمية الموهبة والإبداع. ويعتقد بلوم (Bloom, 1985) أن الأسرة تلعب الدور الأهم في تشكيل الموهبة لدى الطفل، وأن الأسرة إذا لم تقم بتشجيع الطفل وتقديره وتوفير المناخ الملائم له في البيت، فإن الموهبة قد تبقى كامنة. ولقد بين بلوم في دراسة أجراها على 120 موهوباً أظهروا نبوغاً في صغرهم في مجالات متنوعة، مثل العزف على البيانو، أو النحت، أو السباحة، أو التنس، أو الرياضيات، أن دور البيت أهم من دور المدرسة في تنمية الموهبة لدى الطفل.
ولكن على الرغم من ذلك فإن غياب دور المدرسة في اكتشاف الموهوبين وتنميتهم، أو قهر الموهبة باتباعها أساليب تربوية عقيمة سوف يؤدي إلى إعاقة دور الأسرة، حيث لن تستطيع تعويض هذا القصور من جانب المدرسة. ويبين بلوم أن دور الأبوين يتمثل في توفير نماذج إيجابية يقلدها الطفل، وامتلاك اتجاهات إيجابية نحو العلم والتعلم.خصائص البيئة الأسرية للأطفال الموهوبينتشير دراسات تناولت السيرة الذاتية للمشهورين والنوابغ من العلماء والمفكرين والقادة في مجالات السياسة والآداب والعلوم أن هناك بعض ملامح مشتركة في بيئتهم الأسرية خلال طفولتهم المبكرة يمكن تلخيصها كما يلي:ü حجم الأسرة:في دراسة تيرمان الكلاسيكية (Terman, 1925) على عينة قوامها حوالي 1000 من الموهوبين بينت أن 60% من أفراد عينته كانوا ينتمون إلى أسر عدد أفرادها اثنان.وفي دراسة أجراها سيلفرمان وكيرني (Silverman & Kearney, 1989) على 23 طفلاً موهوباً يتجاوز مستوى ذكائهم 170 درجة تبين أن 65% من أسر هؤلاء كان متوسط عدد أطفالها اثنين.ووجدت دراسة أخرى أجراها فان تاسل باسكا (Van Tassel-Baska, 1983) على مجموعة من الطلاب المتميزين في الاختبارات التحصيلية في الرياضيات واللغة أن نصف الحاصلين على الدرجات الأعلى ينتمون إلى أسر متوسط عدد الأطفال فيها اثنان.
وبينت دراسة بينبو وستانلي (Benbow& Stanley, 1998) التي أجريت على 900 طفل موهوب في الرياضيات أن عدد الأطفال في هذه الأسر كان حوالي ثلاثة أطفال.وفي دراسة لجروس (Gross, 1993) تبين أن 24 من 36 أسرة من أسر الأطفال الموهوبين بلغ عدد الأطفال فيها اثنين.ويتضح من هذه الدراسات أن حجم أسرة الطفل الموهوب صغير نسبياً، وأن عدد أفرادها قليل. ويمكن تفسير ذلك بأن الطفل الموهوب عندما يعيش في أسرة حجمها صغير نسبياً فإن الاهتمام به يكون أكثر، والوقت الذي يقضيه الوالدان معه أكبر، مما يساهم في إظهار موهبته، كما أن الأسرة تستطيع أن توفر دعماً مادياً ومعنوياً بشكل أفضل.ü ترتيب الطفل في الأسرة:بينت دراسة تيرمان (Terman, 1925) أن 60% من أفراد عينته كان ترتيبهم الأول أو الوحيد في الأسرة.وفي الدراسة التي أجراها البرت (Albert, 1980) على رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، ونوابهم، ورؤساء وزراء بريطانيا، وحائزين على جائزة نوبل في الولايات المتحدة تبين أن 75% من أفراد العينة كان ترتيبهم الأول في الأسرة، أو كانوا يتمتعون بمكانة خاصة فيها (الطفل الأكبر، الطفل الوحيد، الطفل الأصغر الذي ولد بعد مرور عدة سنوات).وفي دراسة أخرى أجراها سيلفرمان وكيرني (Silverman& Kearny, 1989) على 23 طفلاً موهوباً بلغ مستوى ذكائهم فوق 170 درجة تبين أن 65% من أفراد العينة كان ترتيبهم الأول أو الوحيد في أسرهم.أما دراسة بينبو وستانلي (Benbow& Stanley, 1980) على عينة قوامها 900 طفل موهوب فقد بينت أن عدد أفراد الأسرة كان حوالي ثلاثة فقط.وفي دراسة جروس (Gross, 1993) على عينة تتكون من 40 طفلاً موهوباً من أستراليا تبين أن حوالي 72% من الأطفال الموهوبين كان ترتيبهم الأول في الأسرة، وأن 20% منهم أطفال وحيدون.

تبين العديد من الدراسات السابقة أن الطفل الموهوب يحتل الترتيب الأول أو قد يكون الطفل الوحيد، أو قد يتمتع بمكانة خاصة في الأسرة، ويمكن تفسير ذلك بأن هذا النوع من الأطفال يلاقون معاملة خاصة في الأسرة، إذ يتم تشجيعهم على الاستقلالية ولعب دور قيادي في الأسرة منذ الصغر، وبسبب احتكاكهم بالوالدين، وتفاعلهم الدائم معهما يكونون أقدر من باقي الإخوة على اكتساب اللغة بشكل مبكر، مما يساهم في تنمية ذكائهم، وإظهار قدراتهم الكامنة.ü عمر الأبوين:بينت دراسة تيرمان (Terman, 1925) على أسر الأطفال الموهوبين أن متوسط عمر الأب عند ولادة الطفل الموهوب كان 33 سنة وستة شهور، ومتوسط عمر الأم كان 29سنة.وفي منتصف الثمانينيات أجرى روجرز (Rogers, 1986) دراسة على عدد من الأطفال العاديين بينت أن متوسط عمر الأم كان 25سنة و4 أشهر، بينما بينت دراسة سيلفرمان وكيرني (Silverman& Kearny, 1989)أن متوسط أعمار الأمهات كان 29 سنة و6 شهور.وبينت دراسة فان تاسل باسكا (Van Tassel Basca, 1983) أن معظم أعمار أمهات الأطفال الموهوبين في عينته كان في أواخر العشرين، ومعظم أعمار الآباء كان في أوائل الثلاثين. وفي دراسة جروس (Gross, 1993) على العينة الأسترالية تبين أن متوسط أعمار الأمهات كان 28 سنة وثلاثة أشهر، ومتوسط أعمار الآباء كان 28سنة و11 شهراً.يتضح من الدراسات السابقة أن أعمار الآباء والأمهات للأطفال الموهوبين كانت كبيرة نسبياً، أي في أواخر العشرين أو أوائل الثلاثين. ويمكن عزو ذلك إلى أن الأبوين في هذا العمر يكونان أكثر نضجاً من الناحية العاطفية، وأكثر استقراراً من الناحية المادية مما ينعكس إيجاباً على تنمية الموهبة الكامنة لدى طفلهما.ü المستوى التعليمي والمهني للأبوين:بينت معظم الدراسات أن المستوى التعليمي لآباء الأطفال الموهوبين أفضل من المستوى التعليمي لآباء الأطفال العاديين، وأن نسبة لا يستهان بها منهم قد أنهوا المرحلة الجامعية (Terman, 1925; Albert, 1980; Van Tassel Basca, 1983).ويبدو أن تربية الموهبة توجد حتى لدى الأسر التي تعيش في ظروف معيشية سيئة، إذا ما توافر فيها الدعم المعنوي الكافي لأبنائها، وشعرت بالتقدير للعلم والعمل، وإذا وُجد على الأقل شخص راشد في البيت يوفر التشجيع والتوجيه للطفل الموهوب (Van Tassal Basca, 1983).كما تشير بعض الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بيئة أسرية ثرية ثقافياً (توافر الكتب والمجلات والألعاب والرحلات، والتواصل اللفظي مع الأبوين...)، وإن كانت إمكاناتها المادية متواضعة، كانوا أميل إلى امتلاك القدرة على حل المشكلات والمهارات العقلية العالية، وأكثر قدرة على الاستفادة من الخبرات والإمكانات التعليمية الجيدة في المدرسة من الأطفال الذين ينتمون إلى بيئة فقيرة ثقافياً. (Bryant, Buchinal, Lan, & Sparling, 1994).وبالنسبة للمستوى المهني لآباء الموهوبين تبين الدراسات في هذا الصدد أن معظمهم كانوا يحتلون مراكز مهنية وإدارية، إذ بينت دراسة تيرمان (Terman, 1925) أن 29% من أفراد عينته كانوا من المهنيين، بينما بينت دراسة فان تاسل باسكا (van Tassel Basca, 1983) أن معظم آباء أفراد عينته من الأطفال الموهوبين كانوا من المهنيين، وأن 20% منهم كانوا من رجال الأعمال، و15% معلمات و8% ممرضات.أما دراسة جروس (Gross, 1993) على العينة الأسترالية فلقد بينت أن 25% كانوا من الأطباء أو المرتبطين بالطب، وأن 14% منهم كانوا تربويين، و25% كانوا يحتلون مراكز إدارية. أما الأمهات فحوالي 64% كن عاملات في مراكز مهنية متنوعة.يتضح جلياً من هذه الدراسات أن المستوى التعليمي والمهني للأبوين يؤثر بصورة إيجابية على تنمية الموهبة لدى الطفل لأن الأبوين المتعلمين اللذين يتمتعان بمراكز مهنية يكونان أقدر على توفير البيئة الميسرة لتنمية الموهبة، والمناخ التربوي والنفسي الملائم لإطلاق طاقته الإبداعية.لقد ركزت معظم الدراسات السابقة على متغيرات ثابتة في البيئة الأسرية من الصعب التحكم بها أو تغييرها مثل العمر، والمستوى التعليمي للأبوين، وترتيب الطفل في الأسرة، لذا كان لابد من اللجوء إلى بعض الدراسات التي ركزت على متغيرات أكثر ديناميكية مثل التوافق الأسري وأساليب التنشئة الأسرية.

العلاقات الأسرية:
تشير معظم الدراسات حول العلاقات الأسرية والموهبة إلى أن أسر الطفل الموهوب تتمتع بتوافق أسري جيد، وأن نسبة الطلاق منخفضة، وجدير بالذكر أن هناك أطفالاً موهوبين لم يحققوا نجاحاً في الحياة المدرسية على الرغم من تشابه خصائص حياتهم الأسرية مع أطفال الموهوبين الناجحين، وذلك لأنهم اختلفوا عنهم في العلاقات الأسرية بين الوالدين، حيث تميزت العلاقات الأسرية للموهوبين الناجحين بالتفاهم والحب والسعادة الزوجية، بينما اتسمت العلاقات بين الأبوين لدى الأطفال الموهوبين الفاشلين بالخلاف والمشاجرة والانفصال، وكذلك العلاقة بين الأبوين والأبناء (Rim & Lowe, 1988).

أساليب التنشئة الأسرية:
تبين العديد من الدراسات أن أساليب التنشئة الأسرية تلعب دوراً كبيراً في تنمية الموهبة والإبداع لدى الأطفال. ومن الدراسات الكلاسيكية المعروفة في هذا المجال دراسة آن رو (Roe, 1952) التي قامت بدراسة على ثلاث مجموعات من العلماء المبدعين، فوجدت أن أهم عوامل البيئة الأسرية المشجعة للإنجاز العالي هي توافر الحرية وتضاؤل العقاب والتشجيع المستمر الذي يستخدمه الآباء مع أبنائهم.وتشير معظم الدراسات العربية والأجنبية في هذا المجال إلى أهمية توافر العناصر الآتية في البيئة الأسرية الميسرة للإبداع أحد الأبعاد الأساسية للموهبة:- ممارسة الأساليب الأسرية السوية في تنشئة الأبناء أي البعد عن التسلط أو القسوة، والتذبذب في المعاملة، والمفاضلة بين الأبناء، والتدليل الزائد، والحماية المفرطة، وغيرها من الأساليب غير السوية.- تشجيع الاختلاف البناء.- تقبل أوجه القصور.- وجود هوايات لدى الأبناء.- توافر جو من القبول والأمان وعدم الإكراه.- إتاحة الفرصة للاستقلالية والاعتماد على النفس.- الاتجاه الديمقراطي والإيجابي نحو الأبناء.- الانفتاح على الخبرات.- التنوع في الخبرات.- تعويد الطفل على التعامل مع الفشل والإحباط.(عبدالحليم محمود السيد، 1980، أديب الخالدي، 1981، عبدالرحمن العيسوي، 1980، أحمد عبادة، 1986).كما تبين الدراسات في هذا المجال أن بعض الاتجاهات الوالدية تساعد على تنمية الإبداع ومن أهمها تشجيع التفكير اللانمطي للأدوار الجنسية، أي عدم قولبة كل من الذكر والأنثى في أدوار تقليدية معينة، والتي ترى أن أدوار الأنثى ترتبط بالعلاقات الاجتماعية، وأنها قد خلقت للبيت وتربية الأولاد، وأن الذكر دوره هو كسب القوت والأدوار التي تتعلق بالإنجاز، بل النظر إلى الابن أو الابنة حسب قدراته وميوله بغض النظر عن كونه ذكراً أو أنثى، أندرسون وتوليفسون (Anderson & Tollefson, 1991).وبالنسبة لدور كل من الأم والأب تبين معظم الدراسات في هذا المجال أن الأم تلعب دوراً مؤثراً في تنمية موهبة طفلها، وخصوصاً في السنوات الأولي من عمره، والتراث السيكولوجي يزخر بالعديد من الدراسات التي تبين هذا الدور.
ومعظم الدراسات يؤكد أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين ذكاء الأم وطفلها، ويؤكد أن مستوي تعليم الأم بصورة خاصة ومشاركتها ومتابعتها لأمور الطفل وهو صغير لها آثار إيجابية بعيدة المدى على تربية الموهبة لدى الطفل مستقبلاً.كما أورد لوي ولويز (Louis & Lewis, 1992) عدداً من الدراسات التي بينت أن هناك ارتباطاً قوياً بين توقعات الأم وذكاء طفلها. ومن الصعب التحقق في هذا الصدد من اتجاه العلاقة بين توقعات الأم وقدرات طفلها، وتحديد العلاقة السببية بينهما، وأي متغير يسبب الآخر، وما إذا كانت توقعات الأم هي التي تؤثر على ذكاء الطفل، أم أن العكس صحيح. ولكن من الثابت علمياً أن نوعية التفاعل بين الأم وطفلها بغض النظر عن السبب الحقيقي في إحداث هذا التفاعل يلعب دوراً كبيراً في تربية الموهبة لدى الطفل، وأن الأم تمتلك توقعات عالية لطفلها تكون أقدر على توفير بيئة غنية ميسرة لتنمية موهبته.والتفاعل اللفظي بين الأم وطفلها يلعب دوراً كبيراً في تنمية القدرات العقلية لدى الطفل منذ أشهره الأولى، وتشير الدراسات إلى أن التفاعل اللفظي لأمهات الأطفال الموهوبين يتسم بالتعزيز اللفظي، وإعطاء إرشادات لفظية، وإلقاء أسئلة مفتوحة، وعدم إعطائه إجابات جاهزة، بل تشجيع الطفل على أن يبحث عنها بنفسه، وكذلك تشجيع حب الاستطلاع لديه بورتس (Portes, 1988).أما بالنسبة لدور الأب فإنه لا يقل عن دور الأم في تربية الموهبة والإبداع لدى الطفل، على الرغم من أن معظم الدراسات السابقة قد ركز على دور الأم فقط.

وفي إحدى الدراسات التي أجراها كارنز وشويل (Karnes & Shwedel, 1987) على عدد من آباء الأطفال الموهوبين في مرحلة رياض الأطفال تبين نتائج هذه الدراسة أن هناك تبايناً كبيراً بين تفاعل آباء الأطفال الموهوبين وبين آباء الأطفال غير الموهوبين. ولقد تجلى هذا التباين في أربعة أمور وهي:- كان اباء الأطفال الموهوبين أكثر مشاركة لأطفالهم من آباء الأطفال العاديين، ومن حيث كم ونوعية الوقت الذي يقضيه الأب مع طفله. وتشير هذه الدراسة إلى أن أب الطفل الموهوب يقضي وقتاً في القراءة لطفله الموهوب قدره ثلاثة أضعاف الوقت الذي يقضيه أب الطفل العادي مع طفله، وكذلك يقضي أوقاتاً مع طفله تزيد بنسبة 20% عن الأوقات التي يقضيها أب الطفل العادي مع طفله، حيث يشارك في هذه الأوقات طفله في الذهاب إلى السينما، أو ممارسة الرياضة، أو الذهاب في رحلات إلى حديقة الحيوانات مثلاً.وبالنسبة لنشاط القراءة، فلقد حرص آباء الأطفال الموهوبين على تنويع نشاطات القراءة، واهتمامهم لم يقتصر على مجرد القراءة لأطفالهم، بل التركيز على مساعدة الطفل على التمييز بين بعض الكلمات والأصوات.- اهتم آباء الأطفال الموهوبين بالتواصل اللفظي أكثر من آباء الأطفال العاديين، ولقد تضمن التواصل الشفوي الجانب المعرفي والوجداني، كأن يشرح الأب لطفله بعض المفردات الجديدة المتعلقة بمحيطه، ومشاعر الآخرين.- كان آباء الأطفال الموهوبين أكثر اهتماماً بالنشاطات الذهنية التي تتطلب استخدام العضلات الدقيقة، وتتطلب نشاطاً ذهنياً كلعبة الليجو (Lego)، أكثر من اهتمامهم بالنشاطات الحركية التي تتطلب استخدام العضلات الكبيرة، كركوب الدراجة أو الركض.- ركز آباء الموهوبين على بث الثقة في نفس الطفل، وتجنب استخدام الألفاظ النابية، وإظهار القبول غير المشروط لذات الطفل، وكانوا أكثر اهتماماً بالأسئلة غير المألوفة، وتشجيع الميل للفضول.تؤكد معظم الدراسات الآنفة الذكر أهمية توافر البيئة الغنية ثقافياً، الآمنة سيكولوجياً لتنمية الموهبة والإبداع لدى الطفل في الأسرة، ومن أهم عناصرها توافر الكتب والألعاب المثيرة ذهنياً، وتشجيع الرحلات العلمية والثقافية، وتشجيع الهوايات، والإجابة عن أسئلة الطفل، وتشجيع القراءة، والتواصل اللفظي بين الآباء والأبناء.كما تشير إلى أن أساليب التنشئة الأسرية التي تناسب الطفل الموهوب بصورة خاصة هي تلك التي تستخدم الإقناع معه، وتعمل على احترام عقله، لأن أسلوب الضرب واستخدام القسوة في المعاملة مع الطفل الموهوب بالذات معناه قتل موهبته وهي مازالت في المهد، وأساليب التنشئة الأسرية التي تساهم في تنمية موهبة الطفل هي تلك التي تتجه نحو التسامح والقبول والانفتاح، والبعد عن الفصل الحاد بين الأدوار الجنسية.دور الأسرة في رعاية الطفل الموهوبإن رعاية الطفل الموهوب في الأسرة تمثل تحدياً آخر صعباً للأسرة، وللتعرف على أهم أساليب رعاية الطفل الموهوب في الأسرة لابد من التعرف على نوعية المشكلات التي تواجهها الأسرة عند وجود طفل موهوب فيها.وعلى الرغم من أن الدراسات السابقة قد بينت أنه من أهم خصائص البيئة الأسرية التي تنمي الموهبة والإبداع لدى الطفل هي البيئة الثرية ثقافياً والآمنة سيكولوجياً، إلا أن هناك العديد من الدراسات تؤكد أن أسرة الطفل الموهوب في الواقع تواجه العديد من المشكلات مع طفلها الموهوب.

ويبدو أن هناك بعداً غائباً في تربية الطفل الموهوب، وهو عدم مراعاة احتياجاته العاطفية والنفسية، ففي إحدى الدراسات التي أجريت على أسر الأطفال الموهوبين في جامعة (Purdue) تبيّن أن الموهبة ليست بالضرورة خبرة سارة سواء كان ذلك للطفل أم للأسرة بسبب بعض المشكلات العاطفية والاجتماعية التي يواجهها الطفل الموهوب.ويبدو أن المشكلة الرئيسة التي تواجه أسرة الطفل الموهوب هي عدم فهم الأسرة لدورها في رعايته وفي جهلها بأسلوب التعامل الصحيح معه، ولقد عبر هاكني (Hackney, 1981) عن هذه المشكلة بقوله أن أسرة الطفل الموهوب لا تدري كيف تتعامل مع طفلها الموهوب الذي يحتاج إلى فهم متعمق، وأساليب خاصة في التعامل، وأنها تتعامل معه على أساس معايير الطفل العادي، لذلك تشعر بالحيرة عندما لا تفلح معه هذه الأساليب في التربية.ولقد أكد جولمان (Goleman, 1995) من خلال النموذج الذي اقترحه والذي سماه بالذكاء العاطفي أن تربية الذكاء العاطفي لدى الأطفال لا تقل أهمية عن تربية الذكاء العقلي.وأن العديد من الأفراد الموهوبين الذين يتمتعون بذكاء عال قد يفشلون في الحياة العملية إذا لم يمتلكوا الذكاء العاطفي الذي يجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع مشاعر الفشل والإحباط والغضب والانفعال، وأكثر قدرة على التعاطف مع الآخرين، وعلى استخدام المهارات الاجتماعية التي تجعلهم أكثر كفاية في حل المشكلات.وبين روس (Ross, 1979) أنه كلما كانت الفجوة في القدرات العقلية للطفل الموهوب كبيرة بينه وبين أفراد أسرته كان تأثير الطفل الموهوب أكبر سلبية عليها.وفي دراسة هاو (Howe, 1993) على عدد من أسر الأطفال العباقرة بين الدروس المستفادة من البيئة المبكرة للأطفال العباقرة (Child Prodigies)، الذين أظهروا موهبة خارقة في سن مبكرة، ولقد حددها على النحو الآتي:الدرس الأول المستفاد من البيئة الأسرية المبكرة للطفل العبقري هو أن شغف الطفل بالتعلم كان بمنزلة عمله اليومي في ظل أبوين يمتلكان توقعات عالية جداً لأداء طفلهما العبقري.فعلى سبيل المثال كان العبقري الموسيقي الطفل يويوما (Yo Yo Ma) يعزف مقطوعات موسيقية لباخ وهو في سن الرابعة، وكان يتدرب يومياً على العزف الموسيقي بصورة منتظمة وجادة.ويبدو أن والدي الطفل العبقري كانا مصممين مسبقاً حتى قبل ولادة طفلهما أنه سوف يكون عبقرياً، وكانا يوفران له البيئة المحفزة للإبداع. فعلى سبيل المثال أم المهندس العبقري فرانك رايت وضعت منذ ولادته على جدران حجرته صور تصميمات هندسية.الدرس الثاني من حياة الأطفال العباقرة أن بيئتهم الأسرية كانت تتسم بالصرامة والضغط الشديدين لدفع الطفل نحو التميز. مثل نوربرت واينر الذي كتب في سيرته الذاتية أنه قد قضى سنوات طفولة تعيسة في صراع مع والديه للحصول على استقلاليته، فقد كانا يفرضان عليه حماية زائدة، وحياة انعزالية. ويبدو أن أسر هؤلاء الأطفال تستثمر قدراً هائلاً من الجهد والطاقة في الطفل، خوفاً على موهبته من الضياع، وبأسلوب مبالغ فيه، والطفل المبدع لا يستطيع أن يتنفس إلا في جوء مليء بالحرية ولا يمكن لموهبته أن تنمو وتزدهر إلا في مناخ يتيح له الاستقلالية والاعتماد على النفس، لذا فإن الصراع الأسري بين الطفل الموهوب وأسرته يحتدم عندما يعيش الطفل الموهوب في هذا النوع من الأسر.الدرس الثالث المستفاد هو أن الأطفال العباقرة يأتون من أسر يتمتع أحد الوالدين أو كلاهما بمستوي عال من التعليم، ويشعر بتقدير وحماس شديدين للعلم، إلا أنه يصر على دفع طفله منذ الصغر على التحصيل العلمي والتفوق الدراسي.مشكلات الطفل الموهوب في الأسرة:باستقراء التراث السيكولوجي حول مشكلات الطفل الموهوب في الأسرة يمكن استخلاص المشكلات الآتية:- بروز دور الطفل الموهوب كوالد ثالث في الأسرة:من خلال استطلاع آراء آباء الأطفال الموهوبين في دراسة أجراها هاكني (Hackney, 1981) عبر هؤلاء الآباء عن غموض دورهم كآباء عند التعامل مع الطفل الموهوب، وصعوبة تحديد الفرق بين دور الوالدين والأبناء الموهوبين في الأسرة، كما أبدوا حيرتهم في كيفية التعامل مع الطفل الموهوب كطفل أم راشد، مما أدى إلى إحساسهم بالقلق والحيرة لصعوبة الفصل بين دورهم كآباء ودور الطفل الموهوب كطفل، حاله حال سائر الأبناء، لأن الطفل الموهوب يتمتع بقدرة لفظية عالية، ويتحدث إلى والديه وكأنه فيلسوف صغير، كثير الجدل، قوي الحجة والبرهان، مما يجعل والديه يشعران بالحيرة أمام هذا الطفل الراشد، وكثيراً ما يخسر الآباء الرهان في معركتهم الجدلية مع طفهلم.ونظراً لحدة ذكاء الطفل الموهوب، وشدة حساسيته، وتأثير شخصيته المسيطرة، وقوة إقناعة، يعلن الآباء استسلامهم أمام الطفل الموهوب الذي يفرض نفسه كوالد ثالث في الأسرة بلا منازع. ويشعر الآباء بالحيرة الشديدة في أساليب تربية الطفل الموهوب الذي لا تنفع معه الأساليب العادية في التربية، ويفرض عليهم من حيث لايشعرون معاملة الند للند.- دوران الأسرة في فلك الطفل الموهوب:يبدو أن وجود طفل موهوب في الأسرة يؤدي إلى اضطرار أفراد الأسرة إلى إجراء تعديلات خاصة في حياتهم، والتضحية بالكثير من الجهد والمال والوقت في سبيل تلبية احتياجات الطفل الموهوب، وتبدو الأسرة وكأنها تدور في فلك الطفل الموهوب، خوفاً على موهبته من الضياع، هذا إذا كانت الأسرة واعية ومتعلمة، أما إذا كان الطفل الموهوب يعيش في كنف أسرة جاهلة، أو تعيش في ظروف صعبة غير عابئة بموهبته، كان مصير الموهبة الضياع، ويساء فهمه، فيتحول إلى عداد الكسالى أو المشاغبين أو المتخلفين (Hackney, 1981).ويبدو أن وجود طفل موهوب في الأسرة يخلق نوعاً من الصراع بين الوالدين، عندما يلجأ كل منهما إلى أسلوب مختلف في المعاملة، كأن يشجع أحدهما الإنجاز ويشجع الآخر الجد مما يجعل الطفل يستخدم أساليب المراوغة بذكاء ودهاء مع الوالدين متبعاً مبدأ "فرق تسد" بين الوالدين للوصول إلى أهدافه، مما يجعل اهتمامهما به أكثر، والتنافس بينهما أشد من أجل تلبية كل رغباته (Fine, 1977).- عزل الطفل الموهوب في شرنقة الحماية الأسرية:على الرغم من فوز الطفل الموهوب في معركة إثبات وجوده في الأسرة مستغلاً تفوق قدراته العقلية، وبراعته اللفظية إلا أنه يخسرمعركة على صعيد آخر وهي علاقاته الاجتماعية مع أقرانه، فهو يميل إلى عقد صداقات مع أشخاص أكبر منه سناً، وقد يعزف عنه الأطفال العاديون لاختلافه عنهم، أو لإحساسهم بالغيرة منه، مما يؤثرعلى تقديره لذاته.وفي بعض المقابلات مع الأطفال الموهوبين أفادوا بأنهم يتظاهرون بالغباء حتى يفوزوا بحب الأصدقاء.وهذا يشكل هماً كبيراً على الأسرة، فيشعرون بالخوف والقلق على الطفل حتى لا يُخدش شعوره، ويُجرح كبرياؤه، فيلجأ الأبوان إلى أسلوب الحماية الزائدة مما يعزل الأسرة والطفل عن الآخرين (Hackney, 1981).

إحساس الآباء بالتنافر المعرفي (Cognitive dissionance):
تواجه أسرة الطفل الموهوب مشكلة الإحساس بالتنافر المعرفي بسبب التباين بين صورة طفلها الموهوب النمطية، التي تجعل الطفل وكأنه خارق الصفات، متفوق في كل المجالات، منعزل اجتماعياً، وبين صورته الواقعية رغم اختلافه عن العاديين في مجال موهبته فهو عادي في العديد من الأمور، وطفل بالدرجة الأولى، له احتياجاته حاله حال سائر الأطفال في مثل عمره.وهذا التباين بين الصورتين يخلق نوعاً من التشويش والقلق لدى الآباء، ويواجهون صعوبات في أساليب التعامل مع طفلهم (Keirouz, 1990).

إعلان الآباء الحرب على المدرسة:
تشير بعض الدراسات إلى أن أسرة الطفل الموهوب أقل رضاءً وأكثر تذمراً من المدرسة من أسرة الطفل العادي، وخصوصاً إذا كان الطفل شديد الموهبة (Meckstroth, 1990) وأنه بعد أن يتم اكتشاف الطفل الموهوب تبدأ الأسرة بشن حملة شعواء على المدرسة والمدرسين.وتصب اللوم على المدرسة في العديد من الأمور، فإذا قصر الطفل في إحدى المواد اتهمت المعلمين بعدم تشجيع الطفل، وإذا أساء الطفل السلوك اتهمت المنهج بأنه لا يتحدى عقل الطفل، وإذا كره الطفل الواجبات المدرسية اتهمت المدرسة بالضغط على الطفل، ويقع الطفل ضحية بين هذين الطرفين المتنازعين، مما يستوجب إرشاد الأسرة بأسلوب صحيح، ومد جسور التعاون والتواصل السليم بين الأسرة والمدرسة، وتحقيق الشراكة الكاملة بين البيت والمدرسة والطفل (Hackeny, 1981).وبسبب إحساس أسرة الطفل الموهوب بأن المدرسة عاجزة عن تلبية احتياجات طفلها برزت في الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة تسمى بالمدرسة البيتية (Home Schooling)، حيث تولت الأسرة مسؤولية تعليم الطفل الموهوب في البيت بدلاً من المدرسة. (Ensign, 1998).

علاقة الطفل الموهوب بإخوته:
من الأمور التي تقلق أسرة الطفل الموهوب علاقة الطفل الموهوب بإخوته، إذ تشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الإخوة غير الموهوبين يعانون من مشكلات التوافق النفسي، والقلق وتدني مستوى تقدير الذات بسبب وجود طفل آخر موهوب في الأسرة، فعلى سبيل المثال الإخوة الأصغر سناً منه يشعرون بأنه من المستحيل أن يصلوا إلى موهبة أخيهم أو أختهم الأكبر سناً.أما الإخوة الأكبر سناً فإنهم يشعرون بالضغط النفسي الشديد والنفور منه لأنهم لا يتقبلون فكرة تفوق الأخ أو الأخت الأصغر سناً. وإذا كان هناك طفلان في الأسرة، وكان الأكبر موهوباً شعر الأصغر بالقلق لإحساسه بعدم القدرة على الوصول إلى مستوى أخيه الأكبر.(Cornell & Grossberg; 1986, Bridge, 1973; Peterson; 1977)وتشير بعض الدراسات إلى أن الطفل الموهوب في الأسرة بسبب فرط حساسيته يبحث عن الدفء العاطفي في الأسرة فلا يجده أحياناً، إذ يشعر الأطفال العاديون بالدفء العاطفي من قبل إخوتهم بدرجة أكبر من الأطفال الموهوبين الذين يشعرون بالرفض والبرود (Ballering & Koch, 1984). ويبدو أن التقارب العمري قد يكون متغيراً وسيطاً في العلاقة العاطفية بين الطفل الموهوب وإخوته، أي كلما كانت الأعمار متقاربة بين الطفل الموهوب وإخوته كان هناك تأثيرات سلبية علي الإخوة العاديين، أما إذا كانت أعمارهم متباعدة على الأقل ثلاث سنوات فتكون علاقتهم قوية.كما تشير بعض الدراسات إلى أن العلاقات العاطفية بين الإخوة تكون أكثر سلبية إذا كان الطفل الأكبر هو الطفل الموهوب (Grenier, 1985).ويرى باحثون آخرون أن التأثيرات السلبية للكشف عن الطفل الموهوب على الأسرة والإخوة تكون مؤقته وتزول بمرور الزمن، إذ تتكيف الأسرة معها، وأن الطفل الموهوب أكثر انتقاداً للعلاقات الأسرية كحيلة دفاعية لحماية ذاته بسبب إحساسه بالاختلاف عن الآخرين (Colangelo & Brower, 1987).

أساليب التعامل مع الطفل الموهوب في الأسرةباستقراء بعض الدراسات السابقة حول دور الأسرة في رعاية الطفل الموهوب يمكن استخلاص ما يلي:-
أن يفهم الآباء أن الطفل الموهوب ليس بالضرورة موهوباً في كل المجالات وفي كل الأوقات:فقد يكون متفوقاً في الرياضيات، وعادياً في اللغة الأجنبية، أو قد يكون موهوباً في الموسيقى، ولكنه عادي في الرياضة.ومن الملاحظ أن آباء الطفل الموهوب يمتلكون صورة مثالية نمطية للطفل الموهوب، وكأنه كائن خارق، متفوق في كل شيء، فيضعون توقعات عالية لأدائه في جميع المجالات (Keriouze, 1990).
- أن يدرك الآباء أن نمو الطفل الموهوب غير متناغم (asynchronous development):على الآباء أن يدركوا أن هناك عدم تناغم في نمو الطفل الموهوب، وأن هناك فجوة بين نموه العقلي ونموه الاجتماعي والعاطفي. وبسبب تفوق قدراته العقلية، وحساسيته المفرطة، يصبح لديه عالم داخلي خاص وفريد، ويبدأ يسأل أسئلة عن أسرار الكون والذات الإلهية، وأمور مجردة، مما يجعل مهمة الوالدين أكثر تحدياً وصعوبة.وهذا يثير القلق في نفوس الآباء، وخصوصاً أن هذا النوع من التفكير يصاحب مرحلة المراهقة وليس الطفولة (Keirouzr, 1990) وعلى الآباء أن يفهموا أن الطفل الموهوب يجمع بين عدة أعمار في آن واحد.فقد يكون عمره الزمني 7 سنوات، وعمره العقلي 12 سنة وعمره الاجتماعي 5 سنوات. ومن الطبيعي أنه إذا لم يفهموا هذه التركيبة الخاصة لسيكولوجية الطفل الموهوب، فإن التعامل معه سوف يكون صعباً ومتعباً (Meckstroth, 1990).
- تشجيع الطفل الموهوب على السعي للتميز لا للكمال:يؤكد كابلان (Kaplan, 1990) أن أسرة الطفل الموهوب يجب أن تشجع الطفل على السعي للتميز لا للكمال. والمقصود بذلك هو مساعدة الطفل للوصول إلى أقصى ما تسمح به قدراته دون ضغط أو وضع توقعات عالية جداً، وكأنه كائن خارق حتى لا يؤثر ذلك على تقديره لذاته لأن مسألة تقدير الذات المتدني هي إحدى شجون الطفل الموهوب وهمومه. لذا من المهم تعويده على التعامل مع الإحباط، والبعد عن الحرص الشديد على الكمال، وعلى تقبل أخطائه، وإدراك أن الخطأ هو جزء من الخبرة الإنسانية الواسعة في الحياة.
- الاهتمام بتنمية الذكاء العاطفي للطفل الموهوب:على الآباء الاهتمام بتنمية الذكاء العاطفي للطفل الموهوب. ويمكن للأسرة أن تعمل على ذلك عن طريق توفير المناخ العاطفي الملائم في الأسرة الذي يساعد الطفل على التعامل مع مشاعر الإحباط والفشل، والقدرة على التعبير عن مشاعر الغضب، وتحسس مشكلات الآخرين، وبناء علاقات اجتماعية سليمة مع الآخرين (Goleman, 1995).- أن يدرك الآباء أن الطفل الموهوب هو طفل أولاً وموهوب ثانياً:ينبغي على الآباء عدم حرمان الطفل الموهوب من طفولته، وإعطائه الفرصة كي يعيش مثل غيره من الأطفال، فهو بحاجة إلى تلبية بعض الاحتياجات كاللعب والمرح واللهو، لأن الطفل الموهوب له احتياجات جسمية وعاطفية واجتماعية مثل بقية الأطفال حتى لو كان مستوى تفكيره يسبقهم بأعوام. وعند توفير الجو المناسب في الأسرة لرعاية موهبته يجب أن يكون ذلك بعيداً عن ممارسة الضغوط الأسرية، التي تفرض سياجاً من القيود حوله (Kaplan, 1990).
- قبول الطفل الموهوب بأنه مختلف عن بقية الأطفال:من الضروري على الآباء أن يدركوا أن الطفل الموهوب يرى أبعد، ويشعر أعمق، ويعرف أكثر من أقرانه، وأن يقبلوا فكرة أنه من الطبيعي أن يكون مختلفاً عن بقية الأطفال وأن يتذمر من الروتين المدرسي الممل، وأن يعتبر الإذعان والقبول نوعاً من الإذلال النفسي، وأن يميل إلى مصاحبة من هو أكبر منه سناً، فهو يبحث عن التعقيد والإثارة والتحدي.لذا يجب ألا يتعاملوا معه على أساس معايير الطفل العادي، وأن يدركوا أن اختلافه هذا لا يعني أنه شاذ (Meckstroth, 1990).وفي الختام يبدو أن تربية الطفل الموهوب تعتبر تحدياً حقيقياً للأسرة، وقد تكون متعة حقيقية في حياة الأسرة إن هي قامت بدورها كاملاً، أو قد تتحول إلى هم كبير في حال غياب هذا الدور. وأهم دور يمكن أن تؤديه الأسرة هو الوعي بالطبيعة الخاصة للطفل الموهوب واحتياجاته، وفهمه فهماً حقيقياً، وإدراك دورها المهم في الكشف عن موهبته، وفي توفير بيئة مثيرة ثقافياً، آمنة نفسياً للطفل يشعر فيها بالقبول في عالم قد يشعر فيه بالاغتراب النفسي، لكونه مختلفاً عن أقرانه في أمور كثيرة، فيبدو وكأنه آت من كوكب آخر.وقد تعتبر تربية الطفل الموهوب فرصة للآباء لكي ينموا معاً مع طلفهم، لمشاركته في رحلته نحو اكتشاف ذاته والسعي لتحقيقها.

المصدر- مجلة المعرفة