| تـآريخ إنضمــآمي : 23/07/2012 | مُشـآركـآتي : 19058 | السٌّمعَة : 28 | | |
| المشكلات السلوكية والانفعالية للأفراد المعاقين بصرياً
المشكلات السلوكية والانفعالية للأفراد المعاقين بصرياً سرور محمد صالحة
تنطوي المشكلة السلوكيةbehavioral Problems أياً كان نوعها على صعوبات تزعج صاحبها وتكشف عن اضطراب لديه، وتعد مشكلة لأنها تختلف عما هو سائد ولا تتفق مع المجتمع، ولا تنسجم مع مبادئ الأخلاق والتربية والسلوك ( هاشم، 1979)، وقد عرّف كيرك المشكلات السلوكية بأنها انحراف عن السلوك الملائم للعمر والذي يتدخل في نمو الفرد وتطوره وحياة الآخرين ( Kirk et al., 2003 )، وذكر سميث ونايسورث أن المشكلات السلوكية تسبب الفوضى للآخرين لأنها أنماط سلوكية لا يقبلها المجتمع، وغالباً ما تخرق المعايير حيث تنتهك حرمة البيت والمدرسة والأسرة، وتتصف بسلوك عدواني فيه انعدام للطاعة وإيقاع للفوضى بالتحدي وعدم التعاون (1975,Smith and Neisworth ).
لا يختلف الأفراد المعاقون بصرياً بشكل ملحوظ عن نظائرهم المبصرين في القدرة أو الشخصية، حيث أشارت شول إلى أن المعاقين بصرياً يتمتعون بكافة الخصائص التي يمكن أن تتمتع بها أية مجموعة من الناس، فليس لديهم سمات أو صفات تخصهم لوحدهم كمعاقين بصرياً، وهم لا يظهرون ردود فعل تقليدية لكونهم معاقين بصرياًً (Scholl, 1986)، لكن الإعاقة البصرية قد تؤثر على بعض مظاهر النمو الاجتماعي والانفعالي، كما قد تؤدي لظهور سمات سلوكية معينة، حيث أشار Kliemeck إلى وجود سمات سلوكية تنتج عن الإصابة بالإعاقة هي: الشعور الزائد بالعجز والاستسلام للإعاقة وتقبلها، الشعور الزائد بالنقص ورفض الذات ومن ثم كراهيتها، مما يولد الشعور بالدونية، عدم الشعور بالأمان يـؤدي إلى الشعور بالقلق والخوف من المجهول والتوتر واللزمات الحركية، عدم الاتزان الانفعالي، كذلك سيادة مظاهر السلوك الدفاعي ( الإنكار والتعويض والإسقاط والتبرير والكبت والانسحاب)(القريوتي، 1988). وأكد Shontz أن الإعاقة تؤثر وبشكل مباشر على السلوك (الحديدي ، 2002). وبين سيلفيا ويزلديك أن المشكلات السلوكية تتضمن فشلاً في الانسجام مع الرفاق، انسحاب مفرط، نشاطات جانحة، بالإضافة إلى السلوك المعرقل وغير الملتزم ( Salvia and Ysseldyke, 2004 ).
ووضح براون من خلال دراسته لسيكولوجية المكفوفين، إنهم أكثر تعرضاً للاضطرابات والضغوط النفسية، حيث أن فقدان البصر أدى لسوء التكيف والتعرض للقلق والتوتر والانطواء (Brown, 1983 ). ووجد افانس وزملائه إن فقدان البصر يؤدي لظهور الخوف من إمكانية التعرض لخطر ما أثناء التنقل يؤدي للموت (Evans et al., 2005 ). ويشير يونجر وساردجين إلى أن الأفراد المعاقين بصرياً يعانون العديد من المشاعر السلبية أبرزها: الإحباط والفشل والنكران والغضب الشديد والاكتئاب ( Younger and Sardegne, 1991). بينما بينت وريكات والشحروري أن أبرز المشكلات السلوكية الحادة التي ظهرت عند الطلبة المعاقين بصرياً كانت الحساسية الزائدة، والسلوك الاعتمادي، وسلوك الشرود والتشتت، والشعور بالقلق، والسلوك النزق، والسلوك المتخاذل، والانسحاب من المشاركة الاجتماعية ( وريكات والشحروري، 1996 ). في حين أشار أبو فخر أن الاضطرابات التي يعبر عنها بصورة انحرافات سلوكية لدى الأفراد المعاقين بصرياً من سرقة وكذب وعدوان، هي أقل من اضطرابات الخوف والخجل والقلق التي يعبر عنها بصورة لا شعورية ( أبو فخر، 2000 ). بينما أشار الفرح لوجود مستويات مرتفعة من التوافق الانفعالي الايجابي لدى الأفراد المعاقين بصرياً، ووجد أنه كلما زادت درجات القلق والاكتئاب لديهم تناقصت درجات ضبط الذات والثبات الانفعالي والشعور بالسعادة ( الفرح، 2006 ).
كما أشار أشريفة 2002 إلى أن أبرز السمات الانفعالية والاجتماعية للمكفوفين هي: اللامبالاة، وعدم الاهتمام بالأنشطة الجماعية، وشعور أقل بالانتماء للبيت والمدرسة، ورغبة أقل في النجاح والاهتمام بالدراسة، ومواظبة الحضور إلى المدرسة، وحب اللعب. ووجد ليندو ونوردهولم أن الخجل والعزلة ارتبط مع تدني العلاقات في مجال الاستقرار النفسي العام،وتبين أن الذين يعتمدون الاستراتيجيات السلبية مثل العزلة والخجل واجهوا مشاكل أكثر في استخدام المواصلات وإرسال الرسائل(Lindo and Nordholm, 1999 ).
وبينت مك اندرو أن المكفوفين لديهم جمود في الشخصية، لكونهم يعيشون في عالم محدود كنتيجة لأثر العجز الخلقي الذي يعانون منه مما يؤدي إلى عزلهم جزئياً عن موضوعية البيئة ويتبع ذلك الجمود في شخصياتهم (أبو فخر، 1997). في حين أشار كروك سمارك و نوردل أن المراهقين المعاقين بصرياً لديهم نشاطات أقل، و يعتمدون على أبائهم خاصة في التنقل، كما أنهم لا يمضون الكثير من الوقت بانتظام مع أصدقائهم 2001 ) Nordell, ( Kroksmark and . كما أكد هور وأرو أن الإعاقة البصرية تؤثر على نشاطات الفرد، وبشكل خاص على الأفراد المكفوفين كلياً، حيث تتجلى لديهم صعوبات ومشكلات أكثر في العلاقات مع الأصدقاء، ويعانون من الوحدة فهم معزولون من قبل أقارنهم المبصرين، ولديهم مناسبات وفرص أقل لتطوير مهاراتهم الشخصية، ويعتمدون على أبائهم Huurre and Aro, 2000 )). في حين وجد السيد أن معظم مشكلات الكفيف هي مشكلات مرتبطة بالإعاقة نفسها، والبعض الآخر مرتبط برعاية المحيطين، وتدور هذه المشكلات في الشعور بالعزلة، وما يصاحبها من خوف وقلق نتيجة عزلته في بيئة فقيرة محدودة، فضلاً عن الانطواء والخجل والانسحاب التي تؤدي إلى تجنب الدخول في علاقات مع الأفراد الآخرين بسبب الإعاقة والعجز عن الحركة( السيد، 2002 ).
كما ويشعر الفرد المعاق بصرياً بوجود قيد يحد من حرية التصرف لديه، فهو لا يستطيع فعل ما يريد ويرغب فيه، فهنالك فعاليات كثيرة تمنعه الإعاقة من المشاركة فيها، والكثير من الخبرات البصرية تحجب عنه، فهو لا يستطيع التمتع بحرية الحركة البسيطة لأن هذه الحركة تتطلب البصر، ولا يستطيع أن يسيطر على البيئة، ولا يستطيع أن يكتسب أنماط السلوك المختلفة التي يكتسبها المبصر عن طريق التقليد البصري مثل ارتداء الملابس أو تناول الطعام، ويحرم من المعلومات والمشاعر التي تصل إلينا عادة من خلال النظرة، الابتسامة، التجهم، اللامبالاة، ولا يستطيع أن يسلك في المواقف الاجتماعية السلوك المطلوب كما يفعل المبصر الذي يرى كل ما يحيط به، وبما أن الفرد لا يستطيع رؤية الآباء أو الأقران فهو غير قادر على تقليد السلوك الاجتماعي أوفهم النماذج غير الشفهية ( أبو فخـر، 1997؛ Ysseldyke and Algozzine, 1990 ؛ Nichcy, 2004 ؛ يحيى، 2006 )، بالتالي قدرة الكفيف على التكيف الاجتماعي وتكوين اتجاهات ايجابية نحو المجتمع ونحو ذاته مرهونة بمواقف الآخرين واتجاهات أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، فمشكلة التكيف الاجتماعي عند الكفيف تنشأ نتيجة معاملة المجتمع له بطريقة مختلفة فمواقف الرفض تؤدي إلى الانعزالية، ومواقف عدم التقبل تؤدي إلى أنماط سلوكية فيها من مظاهر سوء التكيف كالقلق وعدم الاطمئنان، والتشتت والإحباط، هذا كله يترك أثراً عميقاً في نفس الفرد المعاق بصرياً، وفي تكوين فكرته عن ذاته وقدراته وإمكانياته وفي تطور شخصيته، بالمقابل يحقق الكفيف تكيفاً اجتماعياً حين يجد تقبلاً ممن حوله فيستطيع الحصول على عمل ووظيفة تساعده على العيش معتمداً على نفسه وليس عالة على مجتمعه ( الروسان، 1984 ؛ أبو فخر، 2004 ؛ شقير، 2005 ).
إن الدعم الاجتماعي والنفسي له تأثير إيجابي على الصحة النفسية للأفراد المعاقين بصرياً، فالعلاقات مع الأشخاص المهمين سواء الآباء، الأصدقاء، الأجداد .. تؤثر على المراهقين وعلى التطور الاجتماعي والعاطفي لديهم، وهذه العلاقات لها دور مهم في تحمل حالات العجز، وبدونها سيشعر الفرد بوصمة عار اجتماعية، تدفع به إلى الحد من قدراته وعلاقاته، حيث أكدت كيف أن المراهقة مرحلة تتضمن العديد من التغيرات خصوصاً في الجانب النفسي والاجتماعي، والدعم الاجتماعي المقدم خصوصاً من قبل الأصدقاء له أهمية كبيرة على حياة المراهقين وبشكل خاص على تطورهم النفسي والاجتماعي، وأشار Hueyأن الدعم العاطفي الذي يتلقاه المراهقون ضعاف البصر من قبل أبائهم يؤثر إيجابياً على شخصيتهم، أما الذين لديهم مشاكل في الدعم العاطفي فهو يؤثر سلباً على نموهم النفسي والاجتماعي( Kef ,2002 ). وبينت سومرز أن سوء التكيف والاضطرابات الانفعالية عند الكفيف مردها إلى عوامل اجتماعية أكثر من عامل فقد البصر، فالاتجاهات الوالدية لها أثر كبير على نمو شخصية الكفيف المراهق، وعلى سلوكاته التي من أبرزها: السلوك التعويضي، السلوك الإنكاري، السلوك الدفاعي، السلوك الانسحابي (Sommers, 1944 ). كما إن إتباع الوالدين لأساليب تنشئة غير سوية، أو ردود أفعالهما المتناقضة تساهم في حرمان الفرد الكفيف من الكثير من المهارات الأساسية التي تعمل على سرعة توافقه وتوازنه النفسي، لذا ينبغي على الوالدين أن يدركا الدور الهام والرئيسي في عملية تنشئة الفرد الكفيف، حيث أن خصائصه الانفعالية تتشكل منذ البداية فإذا كان الفرد متقبلاً لإعاقته كانت نظرته للحياة متفائلة وإيجابية، وبالتالي يكون نموه الانفعالي متجهاً نحو الايجابية فتقل مشكلاته وصراعاته، أما إذا تربى على رفضه الإعاقة والتنكر لها، ستنمو نظرته للحياة متشائمة وسلبية، وسيعاني من الصراعات النفسية، والإحباط، والشعور بالفشل وعدم النجاح، وتتولد عنها مشكلات أخرى كعدم تطوير أساليب فعالة للتعامل مع البيئة ( خضير والببلاوي، 2004 ).
وتعد السلوكات النمطية Stereotyped Behaviors التي يظهرها بعض المعوقين بصرياً مشكلة شديدة لأنها سلوكات متكررة وغير هادفة، يترتب عليها انفصال الفرد عن بيئته، وازدياد فرص حرمانه من التفاعل معها، فالسلوك النمطي يسلخ الفرد الكفيف عن الواقع ويجعله يعيش في عالم محدود، وإذا استمر ذلك سيفقد اتصاله مع العالم الحقيقي ( الحديدي، 2002 )، وهذه الأنماط ابتدءا من الضغط على العين ونقرها وانتهاءاً بهز الجسم هي أنماط إثارة ذاتية تحدث أكثر في مرحلة الطفولة والمراهقة، وتقل مع الوقت نتيجة التعلم والتفاعل مع البيئة حيث يقوم الفرد بفاعليات مفيدة، لكن عند بعضهم الآخر قد يستمر لديه وبالتالي يزداد رفض المجتمع له و يدفعه للانطواء.
وتقف وراء هذه الحركات النمطية عدة أسباب من أهمها التركيز حول الذات " الإثارة الذاتية "، قلة التحفيز والاستثارة، والملل وعدم وجود أنشطة يقوم أو يشارك بها، والتوتر والضغط النفسي لشعوره بأنه مختلف وتحت ضغط كبير، وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر والانفعالات، وعدم القدرة على إشباع حاجاته الأساسية للحركة، وعدم الحصول على الاهتمام الاجتماعي (Lowenfeld, 1959 ؛ Chapman and Stone, 1988 ؛ الخطيب، 2001 ؛ Gense, 2002 ؛ الحديدي، 2002 ؛ Smith, 2004 ).
أما سمة الاعتمادية Dependence فلها مظاهر عديدة من عدم النضج تظهر عند الشخص الاعتمادي منها: طلب مساعدة الوالدين في عمل أشياء يستطيع القيام بها بنفسه، طلب المساعدة دائماً من الأفراد المحيطين به، الرغبة بالتواجد إلى جوار المقربين وعدم الابتعاد عنهم لأنه معتمد عليهم ( شيفر وميلمان، 1999 ). وتعد سمة الاعتمادية هي السمة الغالبة لدى المكفوفين، فقد وجد شارلز خلال ملاحظته في برنامج نهاري لأطفال مكفوفين في سن ما قبل المدرسة مشكلتين هما: السلبية حيث لم يكن الطفل قادراً أو مهتماً بالدخول في أي أنشطة مع العالم الخارجي والاعتمادية ( السيد، 2002 )، وأشار سكوت إلى أن الفرد المعاق بصرياً يعاني من عدم قدرته على ممارسة النشاطات اليومية المتنوعة التي يتعرض لها في بيئته بسهولة وحرية بسبب فقدانه للبصر، فهو يعتمد اعتماداً على الآخرين مما يسبب له بعض الأزمات كالتوتر والانزعاج والانسحاب، لشعوره بسيطرة الآخرين على حياته Scott, 1982 )). وطبيعة التبعية للفرد المعاق بصرياً تجعله يميل إلى إطالة فترة الاعتماد إلى سن الرشد فهو يعتمد على الآخرين في تأمين حاجاته المختلفة. وإذا كان الفرد يحقق الاستقلالية في مرحلة المراهقة، فإن الاعتمادية التي تفرضها الإعاقة قد تمنع الفرد من بعض الحقوق التي يتميز بها الآخرون في نهاية مرحلة المراهقة وفي مرحلة الشباب مثل قيادة السيارات، السفر إلى أماكن بعيدة لوحده، الدخل الشهري، والسبب أحياناً ناجم عن الحماية الزائدة، فهي تحد من قدرة الكفيف على مواجهة الكثير من المواقف وتشجع الاتكالية بدلاً من الاستقلالية، وحين يرغب الكفيف بالخروج من عالمه الضيق والاندماج في عالم المبصرين، يصطدم مرة أخرى بآثار عجزه التي تدفع به لعالم محدود عندئذٍ يتعرض لاضطرابات نفسية حادة نتيجة شعوره بالعجز عن الحركة بحرية والسيطرة على بيئته كما يسيطر عليها المبصرون، فتتولد في نفسه صراعات قد تدفع به إلى أن يسلك سلوكاً تعويضياً متحدياً بذلك عجزه، محاولاً الاندماج في عالم المبصرين فيواجه الاتجاهات العدائية ويصبح في هذه الحالة في أمس الحاجة إلى التقبل، أو يلجأ إلى الاعتزال فينسحب إلى عالمه المحدود. ما يحتاجه الكفيف هو إتاحة الفرص المناسبة للنمو والاستقلالية، والابتعاد عن حرمانه من فرص الاعتماد على نفسه وعمل الأشياء نيابةً عنه والتعامل معه بوصفه ضعيف، والابتعاد أيضاً عن حمايته بشكل زائد، ومنحه فرص التنافس والشعور بالنجاح، ودون ذلك سيكون من الصعب عليه تطوير علاقات ايجابية وواقعية مع مجتمع المبصرين، فحرية الشخص الكفيف في ممارسة المهارات المختلفة بقليل من المساعدة يعد حجر الأساس في مواجهة العالم المبصر (Scholl , 1986 ؛ الحديدي، 2002 ).
وقد يجد الكفيف نفسه أمام مواقف تغلب عليها سمات الشفقة والرأفة وتوفير الحاجات له في بيته وبين أفراد أسرته، وقد يجد نقيض هذه المواقف خارج بيته مما يدفعه إلى الانزواء، فيغلق على نفسه باب حجرته، ويظل ساعات طويلة رافضاً التحدث إلى أي فرد، ولا شك أن المواقف المتناقضة المتراخية في المنزل من جهة والقاسية خارجه من جهة أخرى تجعل الكفيف أميل للانطواء ليتفادى ما أمكن أية إهانة تمس شخصيته، وقد يؤدي هذا الانطواء إلى مزيد من المطالب التي يطلبها من أفراد أسرته بحكم أنه عاجز. هذا ويظهر سلوك الانطواء لدى الشباب وكبار السن، حيث تنتشر لديهم مخاوف من الرقيب الذي يحاسب على كل هفوة، ويزداد الخوف والشك من الغريب والقريب والصديق .. مما يدفع الفرد إلى وزن كلماته قبل النطق بها، وتفضيل الوحدة فيلجأ للانزواء، والانطواء والعزلة تجنباً لاستهزاء الآخرين به، والاستهجان بسلوكاته، وحرصاً منه على السلامة العامة وعدم تعرضه للأخطار. ويلاحظ أن ضعاف البصر أكثر ميلاً للانطواء من المكفوفين كلياً، وكذلك الكفيفات أكثر انطوائية من المكفوفين. وهناك العديد من العوامل التي تقود لحدوث الانطواء لدى الفرد المعاق بصرياُ، فشدة معاملة الوالدين لابنهما الكفيف ورغبتهما في وقايته، والسيطرة والتشديد عليه في كل مناسبة، والإفراط في توجيهه وإرشاده والتخويف من السقوط أو الإصابة بالكسور، كل تلك الأساليب تؤدي به إلى الانزواء والانطواء والبعد والاختباء والتقليل من فعاليته، فيشعر بأنه أضعف من الآخرين وأقل قيمة منهم، وبسبب فقدانه لنعمة البصر قد يعتقد أن الآخرين لا يرغبون به لأنه يعوق عليهم نشاطهم، حركاتهم وتنقلهم .. ولأن منظره يثير الانتباه، ويعتقد أنه حملٌ ثقيل على الآخرين يتمنون الخلاص منه، وأنهم إذ قبلوه فإنهم يقبلون به لفترة محدودة ولابد من أن يتهربوا منه بخلق بعض الحجج لتركه في أول فرصة ( أحمد، 1982 ؛ الحلبي، 2000؛ خضير والببلاوي، 2004 ).
كما يعاني الفرد المراهق المعاق بصرياً من أحلام اليقظة، فهو غير قادر على التكيف مع البيئة، فشله المستمر وصعوباته تقوده غالباً إلى التحليق في أحلام اليقظة كوسيلة تعويضية لشعوره بعجزه، فتكون مهرباً له للخلاص من الفشل، وكثيراً ما يحبط لعدم قدرته على التعبير عن نفسه، وبما إن الرضا والإشباع والشعور بالقوة لدى الفرد الكفيف لا يمكن تحقيقها في عالم الواقع، لذا يحاول أن يصله عن طريق عالم الخيال ( شيفر وميلمان، 1999 ).
وقد يواجه المراهق الأكبر سناً البعض من المواقف السلبية تجاهه، وعدد لا بأس به من الصعوبات الفعلية يسببها فقدان البصر، وبالتالي من الطبيعي أن يظهر مشاعر متزايدة من القلق Anxiety حول مستقبله حيث يحتاج لمساعدة خاصة في تعلم القراءة والكتابة، وفي البعض من المهام المدرسية، وفي التنقل، وفي جوانب أخرى بشكل خاص الاقتصادية، والمادية، وعائلته المستقبلية حيث يشعر بالقلق حول إمكانية الاجتماع بالشريك المناسب وهذا الأمر أكثر وضوحاً عند المراهقات فاقدات البصر (Lowenfeld, 1959 ). إن التقدم نحو الاستقلالية الشخصية عن حدود المنزل والأهل والمدرسة يمكن أن يؤدي لظهور القلق بخصوص نمط الحياة المستقبلية والعلاقات، كما أثبتت الأبحاث وملاحظات المعلمين أن الأفراد المعاقين بصرياً يعانون من القلق حول القبول من قبل الأقران، النجاح في العمل المستقبلي، كما ويعانون من ضغوط تتعلق بطلب المساعدة في تدبير أمور الحياة اليومية. هناك احباطـات معيـنة تؤثر على الصـورة الذاتية للمعـاق بصريـاً، أحد الأشيـاء التي ذكرت هي عدم القدرة على قيادة دراجة هوائية، وجود عوائق مستقبلية ( Chapman and Stone, 1988 )، كما يعاني الكفيف قلق الانفصال، إي إمكانية انقطاع العلاقة بينه وبين الأفراد الذين يعتمد عليهم في تدبير شؤون حياته، وفي إمداده بالمعلومات البصرية كالوالدين والأخوة والأصدقاء، كذلك قلق الفقدان الكلي للبصر، إذ يخشى من فقد البقية الباقية من بصره ( سيسالم، 1997 ).
أما الخوف Fear فهو ناتج عن الشعور بانعدام الأمن ( القائمي، 1996). وتشير يونج Young إلى معاناة الفرد الذي لديه إعاقة بصرية جزئية من قلق عالي وتمركز حول الذات وانطواء وخوف أكثر من الفرد الذي لديه إعاقة بصرية كلية، وأشارت إلى أن فقدان البصر يسبب إحساساً بالدونية عند الفرد والشعور بالخجل والرغبة في تجنب الخبرات الاجتماعية ( الملا وأمين، 1982 ). بينما يبين سيسالم أن القلق يعود بشكل عام إلى نقص ثقة الكفيف فيما يتعلق بكفاءته الاجتماعية، ومظهره الشخصي، وعدم قدرته على التكيف مع كف البصر، ويزداد هذا القلق لدى الكفيف بدخوله مرحلة المراهقة ( سيسالم، 1997 ).
ويستخدم مفهوم الاكتئاب Depressionللإشارة إلى الحالات التي يبدو فيها الشخص حزيناً جداً بائساً فاقداً للأمل وللثقة بنفسه والآخرين، قلقاً، مبالغاً في ردود فعله الانفعالية. ويُعرف الاكتئاب بأنه حالة من انكسار النفس والكآبة أو الغم والهم والنكد والشعور بالذنب والقلق ( سعد، 1993). وتعد حالات الاكتئاب غير شائعة بين المكفوفين، ففي دراسة سكوت وفريمان حول 92 من الأطفال والمراهقين المكفوفين قانونياً قي كولومبيا لم يظهر بينهم وجود حالات اكتئاب، وتبين أن النمو الانفعالي للمكفوفين يتأثر بالعلاقة الايجابية بين الأم والرضيع، ووجد كرنيوف وزملائه أن السمات الشخصية للفرد قبل حدوث كف البصر هي متغير دال على حدوث الاكتئاب، فالأفراد الخجولين والهادئين والمنغلقين أكثر عرضة للاكتئاب، بينما تقل احتمالات حدوثه لدى الأفراد الحازمين، المستقلين، المنفتحين. كما يؤثر مناخ البيئة الأسرية والنمط التربوي السائد فيها إلى حد بعيد على ردود الفعل الانفعالية للفرد، وقد أوضحت الدراسات العلاقة الترابطية بين معاملة الأسر القاسية، المتسلطة أو المهملة، وأشكال الحرمان المعنوية والمادية وبين الاكتئاب ( Bryan et al. , 1980 ؛ سعد، 1993). في حين إن روفنير وشمولي وجدا ارتباطاً عالياً بين الاكتئاب وفقدان البصر، حيث أن 38.7 % من الأفراد المعاقين بصرياً من كبار السن، لديهم درجة مرتفعة من الاكتئاب ( Rovner and Shmuely , 1996 ).
أما بالنسبة للعدوان Aggression والذي يعتبر سلوك هجومي متضمن الإكراه والإيذاء (الرفاعي، 2001 )، فقد يُلاحظ عند المعوق بصرياً بكثرة على شكل غضب وصراخ، للتعبير عن حاجته إلى حماية أمنه أو سعادته أو فرديته، أو محاولة لتذليل العقبات التي تواجهه أو تقف في سبيل رغباته. إن شعور الكفيف بالإحباط والفشل يدفعه إلى توجيه اللوم لذاته أو إيذاء وإيلام نفسه في بعض الأحيان، وهذا ما يطلق عليه بالسلوك العدواني الموجه نحو الذات، وهناك السلوك العدواني الجسمي، والذي يتمثل في الاعتداء بالضرب على الآخرين وهذا يظهر بدرجة قليلة لدى الأفراد المعوقين بصرياً، أما السلوك العدواني اللفظي والذي يتمثل في السب والتوبيخ والشتم وإلحاق الإهانات بالآخرين يظهر أكثر من غيره لدى الأفراد المعوقين بصرياً. وهناك العديد من الأسباب التي تقف وراء السلوك العدواني، فقد ينشأ نتيجة تعرض الفرد لإحباطات الحياة اليومية، فيتصرف بعدوانية عندما يمنعه عائق ما من الوصول إلى حاجته أو رغباته أو يمنعه من الوصول لأهدافه، وتساهم أساليب تربية الوالدين والجو الأسري العام السائد في المنزل في إيجاد العدوان لدى الفرد، كذلك الحرمان من عطف الوالدين وحبهم، وفي النهاية قد يكون العدوان وسيلة لجذب الانتباه عند الآخرين، أو وسيلة للوصول إلى ما يبتغيه ويريده الفرد ( شيفر وميلمان، 1999 ؛ الخطيب، 2001 ؛ الزعبي، 2005). وأشارت العديد من الدراسات إلى ندرة أداء الأطفال المكفوفين لسلوك العدوان الجسمي، أما العدوان اللفظي فينتشر بين المكفوفين وخاصة الذكور منهم ( خضير والببلاوي، 2004 )، في حين أشارت دراسات أخرى إلى أن المكفوفين أقل عدوانية من المبصرين، وأن لديهم نزعة نحو السلبية أكثر، يعزو البعض ذلك إلى كون الفرص المتاحة للمكفوف للتعبير عن العدوان محدودة بسبب الافتقار إلى البصر الأمر الذي يؤدي غالباً إلى أن يعبر عن غضب عام وغير موجه ( الحديدي، 2002 ).
أما سلوك تأكيد الذات Self Confirmation فيعني بشكل عام حرية التعبير الانفعالي وحرية الفعل، سواء كان ذلك في الاتجاه الايجابي أي في اتجاه التعبير عن الأفعال والتعبيرات الانفعالية الايجابية الدالة على الاستحسان والتقبل وحب الاستطلاع والاهتمام والحب والمشاركة والصداقة، أوفي الاتجاه السلبي أي في اتجاه التعبير عن الأفعال والتعبيرات الدالة على الرفض وعدم التقبل والغضب والحزن والشك والأسى( Lopez, 2006) .
تتطلب مهارة تأكيد الذات آلية تعمل على مستويين المستوى الذاتي والمستوى الاجتماعي. المستوى الذاتي: يترتب على كل شخص لتجنب الاضطراب، وتحقيق التكيف المناسب أن تتوفر فيه العوامل الذاتية التالية: - أن يعرف ذاته بما هي عليه من خصائص وقدرات معرفة واقعية، لأن لمفهوم الذات دور مهم ورئيسي في شخصية الفرد، وحياته الاجتماعية وتجاربه. وكما ويؤثر على أدائه المهني والاجتماعي والتربوي، وسلوكه، وتوقعاته. يُمكن مفهوم الذات الايجابي الفرد من تحمل نتائج العجز وخسارة البصر، ويُكون له وجهة نظر ايجابية مع الحياة، ودرجة أعظم من الالتزام والمشاركة والتدخل والدفاع عن وجوده وحقوقه. بينما مفهوم الذات السلبي يؤثر على الصحة الطبيعية والعقلية، وله نتائج تتعلق باحترام ذات منخفض، اكتئاب، عزلة (سعد، 1993؛Lopez, 2006 ). - أن يتقبل ذاته، فعدم التقبل الذاتي يؤدي إلى وضع أهداف للحياة ومستويات طموح غير منسجمة مع الإمكانات المتاحة زيادةً أو نقصاناً وفي الحالتين خيبة أمل وضعف ثقة وسوء تكيف. - أن يقدر ذاته إذ لابد من تقدير الذات واحترامها وإعطائها قيمة إيجابية وأن يشعر معها بجدارة كافية لإحراز الرضا الذاتي. - أن يعمل على تحقيق ذاته وتأكيدها وتجنب الاضطراب وإيجاد الدور الاجتماعي المناسب له، وبذلك يستطيع تحمل المسئوولية الذاتية. المستوى الاجتماعي : يتطلب تأكيد الذات لدى الفرد آلية موازية من مجتمعه، إذ على المجتمع أن يعرف، ويتقبل ويقدر ويسمح بتحقيق ذوات أفراده، وأي خلل يصيب هذه الآلية سيكون عاملاًً مهدداً لأمن الفرد النفسي أو المادي ويفسح المجال لشذوذ مختلفة الشدة.
وقد يعاني الفرد في حالة انخفاض مستوى تأكيده لذاته من مجموعة مشكلات، تتمثل بظهور شكاوى بدنية واضطرابات سلوكية، حيث ينعكس انخفاض توكيد الذات سلباً على الفرد في عدة صور بدنية وسلوكية، فيؤدي عجز الفرد عن التعبير عن مشاعره السلبية في المواقف التي تستوجب ذلك إلى عدم تفريغ شحنة التوتر المصاحبة لها، مما ينجم عنه عادة بعض الآثار السلبية كأن يتضاءل شعوره بالرضا، ويزداد إحساسه بالوحدة والاكتئاب، ومن جهة أخرى يكون عاجزاً عن مواجهة المشكلات أو الأشخاص الذين يؤذونه. كما وتظهر صعوبات في العلاقات الشخصية لأن العجز في التعبير عن المشاعر الإيجابية نحو الآخرين قد يؤدي إلى صعوبة إقامة علاقة اجتماعية وثيقة مما يقلل من التوافق النفسي للفرد. وهناك مظاهر متعددة تتجسد فيها صعوبة العلاقات الشخصية من أكثرها شيوعاً الخشية من مواجهة الآخرين وصعوبة التعبير عن المشاعر الذاتية أو الآراء الشخصية في حضورهم، العجز عن التصدي لمحاولات الاستغلال من قبل الآخرين، وصعوبة إقامة علاقات وثيقة وصحية مع الآخرين. ومن المشكلات أيضاً وهن العلاقات الأسرية مثل الظواهر السلبية بين أفراد الأسرة من قبيل ضعف الروابط الوجدانية بين أعضائها وانقطاع الحوار والتراشق اللفظي، والانفجارات الانفعالية المتبادلة والطلاق وهروب الأبناء وتفاقم النزاعات العنيفة سواء بين الوالدين أو بين الأخوة ( سعد، 1993 ؛ مخول، 1993؛ الرفاعي، 2001 ؛ عبد اللطيف، 2002 ؛ صادق، 2006 ).
إن أبرز المشكلات السلوكية والانفعالية التي تكرر وجودها لدى المعاقين بصرياً استناداً للدراسات السابقة والأدب النظري هي: الانسحاب من المشاركة الاجتماعية، والسلوكات النمطية، والاعتمادية، والتشكيك، والعدوان، والانطواء، والتشتت والشرود، والقلق، والخوف، وأحلام اليقظة، والاكتئاب. تكمن وراء هذه المشكلات السلوكية والانفعالية العديد من الأسباب أهمها: الافتقار للمهارات الاجتماعية اللازمة والكفايات الاجتماعية المناسبة، التخوف من التفاعل الاجتماعي مع الآخرين بسبب خبرات الفشل السابقة، لجوء بعض أولياء الأمور إلى حماية أولادهم المعوقين بشكل مبالغ فيه عموماً مما يحد من الفرص المتاحة لهم للتطور، لذا ؛ لابد من العمل على إيقاف تلك السلوكيات الاجتماعية والانفعالية غير التكيفي ( الخطيب والحديدي، 2004 )، ويتم ذلك من خلال مساعدة الكفيف على إعادة تشكيل تقدير واقعي لذاته بقدر الإمكان، بتذكيره بمميزاته وقدراته وإمكاناته، وكذلك طرح الفرص المناسبة والمتوفرة لتحقيق توافق شخصي ونفسي واجتماعي، ومناقشة الصعوبات والمشكلات والعراقيل التي تقف في طريقه وكيفية مواجهتها التي تتم بالفهم الحقيقي لحالته، والتقييم الواقعي لحجم المشكلة من خلال عدم التهوين والتقليل منها، وفي الوقت ذاته عدم تعظيم المشكلة أو تصعيبها أو استحالة مواجهتها وإيجاد حلول لها ( خضير والببلاوي، 2004 ).
كما ويؤكد كل من روسين بلوم وجورج ودوكويتي أن أبرز العوامل التي تلعب دوراً أساسياً في التطور النفسي والاجتماعي والصحي للفرد المعاق بصرياً هي: معرفة المبصرين للوضع البصري الذي يعانيه الفرد، وتقدير الفرد للتعلم، وحافزه ونجاحاته الماضية ( الأكاديمية والرياضية )، وصرف الوقت مع طلبة آخرين يعانون حالات عجز مماثلة، بالإضافة للنشاطات الترفيهية، والصداقة الناجحة، والأهم هو دعم وتشجيع الوالدين ( Rosenblum, 2000 ؛ George and Duquette, 2006 ). كل هذه العوامل تخلق بيئة مساعدة لتطوير المهارات والاستراتيجيات الملائمة. كما وتؤكد الحديدي أن معظم الناس المكفوفين متكيفون نفسياً ويقدرون المساعدة التي تقدم إليهم في المواقف التي يحتاجون فيها المساعدة، إلا أنهم لا يريدون العون الذي لا يحتاجون إليه، فهم يرفضون الشفقة، ويرتاحون للمواقف التي تبرز مواطن الشبه بينهم وبين المبصرين وليس مواطن اختلافهم عنهم ( الحديدي، 2002 )، لكن وجود المشكلات السلوكية والانفعالية لدى الأفراد المعاقين بصرياً، تستدعي الوقوف عند عدد من العوامل التي تؤثر فيها.
العوامل المؤثرة على المشكلات السلوكية والانفعالية تلعب العديد من العوامل دوراً هاماً في ظهور المشكلات السلوكية والانفعالية من أبرزها: العمر، الجنس، مستوى الرؤية، سبب الإعاقة، العمر عند الإصابة، الخبرات السابقة، درجة الوعي بالإعاقة، الوضع الاقتصادي، المستوى العلمي، التخصص، الوضع الاجتماعي، مكان الإقامة، وجود أكثر من فرد كفيف في الأسرة، ردود فعل الوالدين واتجاهاتهم، اتجاهات العاملين في المؤسسات الخاصة، الاتجاهات الاجتماعية العامة (Sommers,1944 ؛ Huurr et al., 1999؛ أبو فخر، 2000؛ إبراهيم، 2001 ؛ كازدين، 2003؛ الفرح، 2006 ). هذه العوامل وغيرها على قدر كبير من الأهمية، لكن الدراسة الحالية اقتصرت على متغيرات العمر والجنس، ودرجة الإعاقة وسببها، وسوف يتم فيما يلي توضيح أثرها.
يؤثر العمر على المشكلات السلوكية والانفعالية التي يواجهها الفرد، حيث تختلف مشكلات المراهقين وتميل إلى الارتفاع مقارنةً بالراشدين ( كازدين، 2003 )، ويعود ذلك لطبيعة وخصائص كل مرحلة، فالمراهقة فترة حرجة، فترة التغيرات الجذرية للفرد في الجانب العاطفي والمظاهر الاجتماعية. وكل مراهق يجب أن يجد هويته الخاصة، ومكانه الخاص بالعمل، والمواطنة، والالتزامات الأخلاقية ( Wagner, 2004 )، بالتالي يمر المراهق بصراعات عديدة سواء مع نفسه أو مع محيطه بغية تحقيق هويته، حيث يشتد الصراع بين الاستجابة لاستقلاليته ورفضه للتبعية الأبوية، وبين الإذعان لما اعتاده من إتكالية طفولية (Chapman, 1988 )، ومن ناحية أخرى يهتم المراهق بتعليقات رفاق السن والجنس الآخر فيشعر إزاءها بشيء من القلق والانزعاج الذي يثير لديه شيئاً من عدم الاطمئنان، فالتغيرات الجسمية والإعاقة البصرية لا تقتصر على التغير في التكوين أو الوظيفة نتيجة الإصابة، وإنما تمتد لتؤثر في سلوكه الاجتماعي وفي نشأة الاتجاه نحو ذاته ونحو الآخرين، ويتوقف ذلك على درجة تقبل المعاق لذاته وتقديره لها. وقد تفرض طبيعة مرحلة المراهقة مشكلات سلوكية وانفعالية مختلفة، وهذا ما بينته الدراسات السابقة، حيث أشارت وريكات والشحروري عام 1996 إلى أن أبرز المشكلات السلوكية لدى الأفراد المعاقين بصرياً سلوك الحركة الزائدة، السلوك المتخاذل، سلوك الشرود والتشتت، الحساسية الزائدة، التشكيك.
بينما يؤكد أبو فخر في دراسته عام 2000 أن الصعوبات الانفعالية والاجتماعية كانت الأعلى لدى الأفراد المعاقين بصرياً، وبشكل خاص الخوف، الخجل، القلق، العدوان. ووجد بومان أن القلق والضغط، وعدم الشعور بالأمن وقلة الثقة بالنفس، وسوء التكيف كانت الأبرز لدى الأفراد المعاقين بصرياً ( Bouman, 1984 ). بينما وجدت كيف أن المكفوفين أقل سعادة ( Kef, 2002 )، وأشار وجنير أن المراهق فاقد البصر يتعرض بنسبة أعلى لسوء التوافق الاجتماعي والشخصي من الآخرين، أما الراشدين تظهر لديهم مشكلات تتعلق بالاستقلالية (Wagner, 2004 ). وبين افانس أن كبار السن لديهم مشاكل خاصة تتعلق بإدارة تمويلاتهم ومهام الحياة اليومية مثل التسوق والطبخ، بالإضافة إلى الخوف من إمكانية تعرضهم لخطر ما أثناء التنقل يؤدي للموت (Evans, 2005 ). في حين بين كل من روفنير وشمولي ( Rovner and Shmuely, 1996 ) أن 38.7 % من الأفراد المعاقين بصرياً من كبار السن لديهم درجة مرتفعة من الاكتئاب، بينما أكد الفرح (2006 ) أن كبار السن من المعاقين بصرياً لديهم توافق انفعالي عالٍ، يعود إلى النضج الذي يزداد مع التقدم في العمر. أما روبنسون وليبرمان أشارا إلى أن مجموعة الأفراد المعاقين بصرياً بعمر 16-23 سنة مستقلون، يتحملون مسئولية أعمالهم، وتم إعطائهم فرص أكثر لمزاولة مهارات مختلفة من مجموعة الأفراد المعاقين بصرياً بعمر 8-15 سنة الذين لم تعط لهم فرص لاتخاذ قرار بالاعتماد على أنفسهم في نشاطات الحياة اليومية (حلاقة الشعر، وجبات الطعام، وقت النوم، اللباس، وقت الفراغ، زينة غرفة النوم ..) حيث أمروا بعمل العديد من الاختيارات من قبل شخص أخر متمثل في الآباء، والمعلمين، ومدراء المدارس ( Robinson and Lieberman , 2004 ).
يعد متغير الجنس عاملاً مهماً لا يمكن تجاهله، إذ بينت العديد من الدراسات والأدبيات وجود فروق بين الذكور والإناث، فقد أظهر هاردي وجود فروق في القلق لصالح الذكور (القريوتي، 1988). وأشار براون إلى أن الإناث أكثر تعرضاً للقلق والتوتر والانطواء من الذكور ( Brown, 1983 ). في حين وجد الفرح بدراسته عام 2006 أن تقدير الذات والسعادة كانت أكثر لدى الذكور، بينما أظهرت الإناث قلقاً أعلى. بينما بينت ( وريكات والشحروري، 1996 ) وجود فروق بين الجنسين، حيث غلب السلوك العدواني لدى الذكور، وسلوك الحركة الزائدة، والسلوك المتمرد، والسلوك المخادع، والسلوك المتخاذل، والسلوك النزق، في حين ظهر لدى الإناث شعور بالقلق وحساسية زائدة. كما بين هور وآرو لجوء الإناث الكفيفات إلى العزلة( Huurre and Aro, 1999 ). وأشارت الحديدي إلى معاناة الفتيات الكفيفات من صعوبات أسرية واجتماعية مختلفة من أبرزها: الخوف والتردد، الاعتماد على الآخرين، الحرمان العاطفي، الإساءة النفسية والجسدية ( الحديدي، 2005 ). وقد تقف العديد من العوامل وراء الاختلاف بين الذكور والإناث ومن أبرزها: التحيز الثقافي، التوقعات المختلفة، العوامل البيئة كالظروف المنزلية وأساليب الرعاية الوالدية، الإقامة الداخلية ( كازدين، 2003 ).
إن تأثير درجة الإعاقة البصرية على نوعية أو شدة المشكلات التي يعاني منها الفرد المعاق بصرياً عامل لا يستهان به. فيتضح من الدراسات السابقة أن الأفراد المكفوفين جزئياً لديهم مشكلات انفعالية أكثر من المكفوفين كلياً، حيث تؤكد دراسة بومان أن ضعاف البصر امتازوا بتكيف أقل وشعور أكبر بالقلق والضغط والتوتر والارتياب، وعدم الشعور بالأمن، وقلةالثقة بالنفس، وقدرة أقل على تلبية متطلبات العائلة والمدرسة أكثر من الطلاب المكفوفين ( Bouman, 1984). وتشير إيموري وكوين إلى أن الأفراد المكفوفين جزئياً أقل توافقاً من الأفراد المكفوفين كلياً، حيث أظهروا نسبة عالية من القلق ( الملا وأمين، 1982).
في حيـن وجد سانـدلر مجموعة من السمات السلبية لدى الأفراد المكفوفين كلياً منذ الولادة هي: الخوف من أن يتركوا لوحدهم، الاستغراق في حركات تكرارية آلية، وصعوبة التفاعل مع الأنشطة الجماعية، والتمركز حول الذات، ومحدودية الاهتمام بالعالم الخارجي (Sandler, 1963 ). وأشار روفنير وشمولي إلى أن الأعراض الاكتئابية كانت أكثر شيوعاً واستمراراً لدى الأفراد ذوي البصر المنخفض ( Rovner and Shmuely, 1996 ). أما في دراسة إبراهيم عام 2001 تبين أن الطلبة المكفوفين يعانون مشكلات تتعلق بالقراءة وإجراء الامتحانات أكثر من الطلبة ضعاف البصر، فهم بحاجة إلى الاعتماد على الآخرين لتجاوزها، في حين بين كل من روبنسون وليبرمان إن مستوى الضعف أو الإعاقة البصرية لها تأثير هام على فرص تقرير المصير وخاصة لدى الأفراد المكفوفين كلياً، حيث ظهر اعتمادهم الكلي في جانب الرعاية الصحية والمدرسة على الأهل والمعلمين أكثر من اعتمادهم على أنفسهم ( Robinson and Lieberman , 2004).
كما يعد سبب الإعاقة من العوامل التي لا يمكن تجاهل أثرها على الفرد المعاق بصرياً، إذ يعتبر سبب الإعاقة مهماً في تشكيل هذه المشكلات السلوكية والانفعالية، فثمة أدلة على أن الاضطرابات الانفعالية أكثر شيوعاً لدى الأطفال المكفوفين الذين فقدوا البصر بسبب اعتلال الشبكية الناجم عن الخداج ( الخطيب والحديدي، 2005 )، حيث تؤكد دراسة فرابير وفريدمان، والمراجعة التي قام بها وارن للدراسات السابقة أن الاضطرابات الانفعالية تعتبر أكثر انتشاراً بين المعوقين بصرياً بسبب التلف خلف العدسي ( أبو فخر، 2000 ). ويبين نوريس معاناة الأفراد المكفوفين بكف بصر نتيجة التليف خلف العدسي الولادي، والأفراد المكفوفين بكف بصر نتيجة أسباب أخرى لمشكلات تكيفية واضطرابات سلوكية ( Norris, 1957 ).
في حين وجد كلينشميدت أن الأفراد المعاقين بصرياً المصابين بانحلال الشبكية المرتبط بتقدم العمر، كانوا جميعهم متكيفين، ولديهم نظرة إيجابية نحو الحياة رغم إحساسهم بفقدان البصر (عليوات، 2001). وبعض الأسباب وبشكل خاص اعتلال الشبكية الصباغي قد يؤدي لحدوث مشاكل وبشكل خاص عندما يبدأ الفرد التفكير بالزواج وبناء عائلة ( Scholl, 1986 ) ، وأكدت لوبيز أن المعاقين بصرياً بمن فيهم المصابين باعتلال الشبكية الصباغي يعانون من العزلة الاجتماعية، والانسحاب، وترك العمل أو التعلم، كما يظهرون أعراض اكتئابية، ومفهوم ذات متدن. وتوضح أن اعتلال الشبكية الصباغي يؤدي إلى تغير كبير في أسلوب الحياة، ويؤدي لظهور مشاكل اجتماعية وتربوية ونفسية ( Lopez, 2006). في حين توصل روفنير وزملائه إلى أن الأفراد المصابين بانحطاط الحفيرة المتعلق بالعمر يبدون حالات اكتئاب Rovner et al., 2006 )).
|