شبكة فلسطين التعليمية

 

 نقد:في الفن التشكيلي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
hayemfr
عضو نشيط
عضو نشيط



تـآريخ إنضمــآمي : 23/07/2012 مُشـآركـآتي : 19058 السٌّمعَة : 28

نقد:في الفن التشكيلي Empty
مُساهمةموضوع: نقد:في الفن التشكيلي   نقد:في الفن التشكيلي Empty8/2/2013, 07:31

اللّوحة ترسم شخصيّة رّسامها وتبشر بآفاق سيرته تاملات في تجربة رشيد الفخفاخ

خليل قويعة







كيف نقـدّم شخصية رشيد الفخفاخ وقد تعدّدت خبراتها وألقابها ؟ شخصية مترامية الأطراف، ثرية بمسيرتها، دسمة بمرجعياتها الثقافية الشرقية والغربية وطموحاتها المتوهّجة دوما، زلوقة تأبى التمأسس داخل أقنوم ايديولوجي أو معرفي أو جمالي بعينه... شخصية جادة، هي قدوة في التفاني والحزم، راهنت على البحث عن معادلة ممكنة بين البعد النظري في مرجعية الذات العارفة، وبين البعد العملي في شواغل الذات الإبداعية... شخصية تواقة آمنت بأن العمل هو مصير كينونة الذات، وعقلانية ولكنها مرنة.
هل أبدأ برشيد الفخفاخ الأستاذ وهـو الذي حصل على الأستاذية في الفنون التشكيلية، اختصاص نحت من المعهد التكنولوجي للفنون والهندسة المعمارية والتعمير بتونس بجائزة رئيس الجمهورية سنة 1973، وهو أستاذ مساعد بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس منذ سنة 1979 ؟ هل أبدأ به باحثا عالما منذ 1976 بالمركز الوطني للبحوث العلمية بباريس CNRS قسم الجماليات التجريبية لأنتهي به مديرا بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس منذ 2005؟ هل أبدأ برشيد الفخفاخ الدكتور (دكتورا في الجماليات وعلوم الفن جامعة باريس 1 السربون) ثمّ أمرّ إليه فنانا تشكيليا وهو الذي بدأ يعرض أعماله منذ 1976 من خلال معرض شخصي في فن النحت على الخشب بكليبرون، ألمانيا؟ ولكن كيف لي أن أتدبّـر أمر هذا الرجل الرواقي Galeriste وهو الذي بعث صحبة زميله نور الدين الهاني رواق شيم للفنون بالمنزه السادس سنة 1988؟ ثم ماذا عن شخصية الفخفاخ المبرمج البيداغوجي الذي ساهم في هندسة برامج التدريس ووضعها واقتراحها في مجال إصلاح التعليم بالمعهد التكنولوجي للفنون والهندسة المعمارية والتعمير بتونس في بداية الثمانينات؟ ثم لماذا لا نبدأ بتقديم الرجل من حيث هو مثقف عضوي يؤمن بالمشاركة وقد شارك في عديد المعارض والندوات والمهرجانات بتونس منذ 1983 وبالخارج فرنسا، إيطاليا، ألمانيا،



نقد:في الفن التشكيلي 2
« الأحمر يغني الأخضر» : أكريليك على قماش 1999 – 270 صم/120 ص


نقد:في الفن التشكيلي 3

تقنية ممزوجة على ورق 2 «افـتـتان» : 1988 - 26 صم/36صم
اسبانيا، مصر، لبنـان، الصين، الهند، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، الولايات المتحـدة الأمريكية، اليابان...)
باحث وعالم خبير في نظرية اللون، مدير معهد عال للفنون، فنـّان، رواقي، مبرمج بيداغوجي، أستاذ، مثقف مشارك يؤمن بالتواصل الجدلي بين الفنان والمجتمع... ولكن لماذا ننكر في هذه الشخصية جانب الرياضي الماهـر، وهو الذي يحذق إحدى رياضات فنون القتال ومولع بالرياضات الشرقية...؟
الحقيقة أن المواهب متعددة والرجل واحد. ولنتطرق إلى الرجل من حيث هو فنان تشكيلي، إذ المقام ملائم لذلك في مجلس كهذا من مجالس الفنون بالمركز الثقافي لمدينة تونس. ولكن عن أي فنان نتحدث؟ هل نتحدث عن رشيد الفخفاخ النحات، فأول أعماله التي عرضها كانت في فن النحت على الخشب؟ وقد أطلعني سنة 1997 على مجموعة من تخطيطاته لمشاريع نحتية. كما قام بتأطير طلبة في اختصاص النحت بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس أواخر التسعينات من خلال ورشة النحت على رخام تالة وبالاعتماد على تقنية التشذيب Dégrossissement وهي أقدم تقنية نحتية.
هل نتحدث عن الرجل كفنان فوتوغرافي خبير بالعدسة ولغتها الضوئية وملم بتقنياتها الإبداعية؟ وهو الذي نال جائزة التصوير الفوتوغرافي الفني في أيام الفنون التشكيلية بالمنتزهات سنة 2000 بمنتزه النحلي. وتقوم أعماله في هذا المجال على تعبيرية الموضوع الفوتوغرافي وشحناته الدلالية والرمزية التي يهندسها فضائيا ويرصد مكوناتها المشهدية داخل إطار مدروس(Prise de vue). وقد تحتكم الصورة إلى سيميولوجية ساخرة تجمع بين المتناقضات وتثير الحيرة والتساؤل. هذا فضلا عن أن الفخفاخ من المتخصصين التونسيين القلائل في مجال تصوير الأعمال الفنية.
وبين هذا وذاك، هل يهمنا أن نتحدث عن الفخفاخ بوصفه فنانا تنصيبيا (Installationniste) وهو الذي قدم تنصيبة الأربعون طاطا (Les 40 TaTa) برواق شيم مع نور الدين الهاني سنة 1994ومنثمةيؤكدالرجلانخراطهفيثقافةالفنالمعاصربامتيا ز؟وربمامنالحريبناأيضاأننتطرق


نقد:في الفن التشكيلي 5
« تنويعات 2» : أكريليك على قماش 1993 – 100 صم / 100 صم


نقد:في الفن التشكيلي 6

«تنويعات 1» : تقنية ممزوجة على ورق 1995 - 50 صم / 65 صم
نقد:في الفن التشكيلي 4
تقنية ممزوجة على ورق 2 «أثر أثر أثر» : 1988 - 50 صم / 65 صم


نقد:في الفن التشكيلي 7
ترابط د : قلم رصاص على ورق2 / 1984 – 64 صم / 64 صم
إلى الرجل من حيث هو فنان متحمس للخروج بالفنون التشكيلية إلى الشارع والمحيط المديني المعيش حتى يكون الفنان متمسكا بموقعه في صياغة جمالية المدينة ومعنيّا بها، وحتى لا يكون الفنان كائنا معرضيا ومتحفيا فحسب. وقد ساهم الفخفاخ في إنجاز بعض الجداريات من بينها الخزفية الجدارية التي أنجزها صحبة الهاني بمدينة لمطة (20 × 3 م) تحت عنوان تنويعات المربع وهي استلهام من تراث الفسيفساء ومن بحث المفردة التشكيلية بل هي امتداد شرعي لمسيرته التشكيلية التي كانت لثقافة المربع فيها نصيب لامع.
المربع، النسيج المربعاتي، المربعات السحرية، تنويعات المربع؟... لعل الأمر يجرنا شيئا فشيئا لملامسة شخصية الرسام وشخصية الملوّن لدى رشيد الفخفاخ، وهي الشخصية الأكثر حضورا وتواترا في مشاركاته الفنية التونسية والعربية والدولية وفي معارضه الشخصية (إذ شارك في زهاء خمس وعشرين تظاهرة فنية بالداخل والخارج في مجال


نقد:في الفن التشكيلي 8
ترابط د : حبر صيني على ورق3 / 1984 – 30 صم / 30 صم
الرسم منذ 1983 من بينها المعرض السنوي للفن التشكيلي بصفاقس منذ 1986 وقد حصل فيه على الجائزة الأولى لسنة 1997... وآخرها مشاركته في المعرض العالمي لسنة 2005 باليابان. كما قدّم في فـن الرسم 4 معارض شخصية أولها معرض «أثر، أثر، أثر» برواق شيم سنة 1989 ثم برواق القصبة بصفاقس سنة 1990 وآخرها في نوفمبر 2006 بهذا الرواق نفسه.
ولكن عن أي رسام نتحدث؟ فشخصية الرسام نفسها لدى الرجل هي نفسها زلوقة وملتبسة وتحتاج إلى مواكبة دقيقة لزمنيتها الإنشائية عسى أن نظفر بالخيط المفقود الذي بين مشاركاته في المربعات السحرية (المعرض السنوي بصفاقس سنة 1986 على سبيل المثال) وأعماله في اللاشكلي L’informel ذات اللمسات الرصينة والسريعة في ذات الوقت (معرض عشر سنوات من الرسم التونسي الحديث على سبيل المثال 1997 بتونس وفرنسا وإيطاليا) أو، بين هذا وذاك، أعماله التي توحي أو تبشـّر بوجود تكوينات شكلية غنائية وتفترض وجود بنية هندسية تحتكم لها (المعرض الشخصي « أثر، أثر، أثر» ). ولا ننسى في هذه التجربة الأعمال المستلهمة من رسوم الأطفال والفن الخام 1992. وبين هذا وذاك، هل نتحدث عن رشيد الفخفاخ رساما بالدهن الزيتي أم بالأكريليك أم بالبستيل أم بالأحبار الملونة أم بهذه التقنيات ممزوجة؟
إن المتتبع لهذه المسيرة يكتشف وجود محطات رئيسية بها يمكن أن تكون بمثابة مفاتيح للقراءة. والمعرض البحث الذي قدمه الفخفاخ صحبة بيدة والهاني سنة 1987 هو محطة بارزة. وقد يدور في خلدنا أن خطاب المفردة شغل شكلي وغرافيكي يتعلق بمعالجة الفضاء وتحليله أو تركيبه ورصد إيقاع نسيجه اعتمادا على الإيقاع والحركة والتأليف وهي مقوّمات الإنشاء الجمالي في التراث العربي الإسلامي وفن الأربيسك تحديدا ومقومات الفن البصري والفن الحركي الحديث... وقد قال سمير التريكي في مقاله « التطور الراهن لإشكالية التراث والإبداع التشكيلي في تونس «ضمن كتاب التراث والإبداع (Création et patrimoine) (1): «إن اكتشاف الفخفاخ يقوم على تعويض العدد بعلامة غرافيكية أو تشكيلية مثل نقطة، سطر، لون، شكل هندسي، وهو ما يمكـّـن من خلق لعبة الترابطات المفتوحة (Combinatoires) إلى ما لا نهاية له».
لكن مثل هذا الطرح المفردي ـ الحسابي سيؤدي إلى نوع من الانغلاق الإنتاجي. فلعبة الترابطات هاهنا، ليست على نحو ما هي موجودة عليه في مجالات معرفية أخرى مثل علم المنطق حيث أكد الألماني لايبنتز(Leibniz) في القرن السابع عشر في رسالة حول فن الربط (De Arte Combinatoria) :
أن لعبة الترابطات تؤدي إلى فتح تعدّدية القضايا اللغوية على آفاق رحبة، انفتاح مكوّنات الخطاب على بعضها. إذ بالمقابل، « يصبح الإبداع التشكيلي، لعبة مبرمجة بصفة مطلقة، حيث يكون كل شيء متوقع، (Prévisible)، أي بدون مفاجأة بل وخاصة بدون حدث جديد. ويمكن للفخفاخ أن يقضي كامل حياته في رسم آلاف وآلاف اللوحات بهذه الطريقة» (2). والقول لسمير التريكي.



نقد:في الفن التشكيلي 9

ترابط « ج صعيد طيب 2 » : صور فوتورقمية على ورق 2005 – 100 صم / 100 صم
نقد:في الفن التشكيلي 10
تقنية ممزوجة على ورق 2 « أثر أثر أثر » : 1988 - 50 صم / 65 صم


نقد:في الفن التشكيلي 11
ترابط « X » : أكريليك على قماش 1988 – 85 صم / 85 صم




نقد:في الفن التشكيلي 12
على أن الخطاب المفردي عند الفخفاخ ليس خطاب الشكل والعلامة الغرافيكية فحسب بل الأحرى خطاب اللون، وهو القائل في نصّه «في المربع السحري، وسحر المربع» ضمن كتاب المفردة في الفنون التشكيلية (3) 1988:إن الرسم التجريدي الحقيقي قادر على التعبير الجمالي رياضيا، بحكم اكتسابه لوسيلة تعبير دقيقة، دقة الرياضيات وهذه الوسيلة هي اللون الذي يقع إعداده بصفة مطلقة».
ونحن هنا بصدد رشيد الفخفاخ الملوّن (Le coloriste) وعالم نظرية اللون، وهو من يجعل اللون في قلب العبارة التجريدية ويتعاطى معه

رياضيا من داخل علم صحيح للمقادير، شأنه في ذلك شأن العقلانيين. ألم يقل لايبنتز نفسه أحد أتباع الديكارتية وأحد رواد الحداثة العقلانية، في تعريفه للموسيقى أنها بمثابة رياضيات صائتة (mathématique sonore)؟ لكن الفن أكثر من علم، وقد يؤدي بالفنان إلى اكتشاف آفاق غير متوقعة هي بمثابة فتوح متجددة تؤسس مسيرته. ولعل من قوة الفن أنه يجبر الفنان على تبني مفاهيم جديدة ومن ثمة، على التفاوض مع منطلقاته الأولى. وهي نقـطة تُحسب عادة لصالح الفنان من جهة أنه كائن يتكوّن ويتطوّر في الزمن التاريخي الحي والزمن الإبداعي المفعم بالاكتشافات... فكيف كان شأن اللون لدى الفخفاخ؟ هل أدّى به إلى حيث لم يكن يحسب؟ هل دفعت الشحنات العاطفية بالفنان إلى تطعيم عقلانيته الحسابية باتجاه شعرية ممكنة؟ وهل أدّى اللون بأشكال الفخفاخ إلى إذكاء معنى الحياة بها إذا ما تمثلنا قولة الناقد الفرنسي ديدرو: «إن الرسم هو ما يمنح الشكل للكائنات، بينما يمنحها اللون الحياة» (4) ؟
إن تعامل الفخفاخ مع اللون قد مرّ هو الآخر بأكثر من مرحلة. فمن التجريد الهندسي الذي يقوم على ما يسمّيه الفنان بالمربعات السحرية إلى التجريد الغنائي الذي يعتمد على حركية اللمسة. كما يمكن رصد تجربة الفنان من حيث أنها عبور متدرّج من الشكلي والمفردي والخطي إلى اللاشكلي L’informel، الذي يعتمد أساسا على التدخلات اللونية، عندما تصبح اللوحة جملة من التوازنات الضوئية.
وبناءً على هذا الافتراض القرائي، هل يمكن رصد مسيرة الرجل على أنها نقلة من عقلانية الخطوط


نقد:في الفن التشكيلي 14
ترابط « ب 3 » : أكريليك على قماش 1985 – 85 صم / 85 صم

نقد:في الفن التشكيلي 13
ترابط « ج 3 » : أكريليك على ورق 1984 – 64 صم / 64 صم
وهندستها إلى شاعرية اللون وغنائية الحركية والنغمية إذا ما استندنا إلى المدوّنة النقدية البودليرية :
«كل الفنانين الملوّنين هم شعراء ملحميون، بينما كل الرسامين الذين يقتصرون على الخطوط هم فلاسفة عقلانيون يجرّدون الجواهر من موادها»(5)؟ أم أن العقل الهندسي والحسابي قد استمرّ على مدى خط التجربة وتواصل حضوره بين قياسات الخطوط والمربعات من جهة وبين قياسات النسب اللونية والضوئية ومعادلاتها الحسابية الدقيقة، من جهة أخرى؟ ...
في المعرض الأخير الذي انتظم للفنان بقاعة القصبة في بداية نوفمبر 2006، كما في مشاركته الأخيرة في معرض الأحجام الصغيرة بالرواق البلدي بصفاقس، في أواخر نوفمبر 2006، نلاحظ حضورا للتجريد الغنائي واللاشكلي، وهو امتداد متجدد لمنعرج ابداعي ازدهر في تجربة الفنان في بداية التسعينات. لا تنطوي الأعمال على نية بنائية... ثـمّـة تحرّر من كل مرجعية هندسية أو خطية... ليست هناك « أشكال» بل بالأحرى هناك كتل لونية هيولية هائمة... كأننا بإزاء فضاء سماوي لا متناه ليست به خطوط ومركبات هندسية واضحة، بل كتل من الألوان والأضواء والأشعّـة التي تبدو متناثرة هنا وهناك. فكيف للألوان أن تكتفي بذاتها لتكون موضوعا للوحة ومحورا للفعل التشكيلي؟
على أنه بقدر ما تنزاح لوحة رشيد الفخفاخ وتفلت عن مرجعيـتها الخطية والهندسية لتتخذ طبيعة لونية خالصة، بقدر ما تصبح إمكانية تذوقها في متناول كافة زوار المعرض... وكما قال الفيلسوف والناقد الفرنسي ديدرو (Denis Diderot) « لا شيء، في لوحة ما، يلفت انتباه الناس مثل اللون الأصيل، إنه يخاطب جميع الناس مهما تكن شرائحهم ودرجاتهم التعليمية (6)».


نقد:في الفن التشكيلي 16

ترابط « أ 3» أكريليك على خشب : 1986 صم100/ صم100
نقد:في الفن التشكيلي 15
ترابط « أ 1» : أكريليك على ورق 1984 – 64 صم / 64 صم


وهكذا، كأن اللون ساعد على تنشيط التواصل بين الفنان وجمهوره من الزوار، وسنرى كيف أنه ساعد على فتح مجالات خصبة للتواصل بين الفنان وذاته، وبينه وبين فعل الرسم من جهة أخرى (L’acte de peindre).
على أن علاقة الألوان ببعضها تؤكد الكثير من الحركية. كأن انفعالات جسد الفنان تنطبع على مدى سعة فضاء اللوحة، من خلال حركية اللمسات وسرعة الأداء. ألم يقل الناقد الفرنسي بيار رستاني (Pierre Restany) في كتابه الغنائية والتجريد : «إن إشراقات Révélations اللوحة عندما تقترب من الحركية الفيزيائية تمثل إحدى اكتشافات التجريد الغنائي، في أعمق خصائصه»؟ (7) أجل، هناك لعب على حركية اللون في انتقالاته المفاجئة، وقد بدا ذلك في الظهور في الأعمال التي أنجزها الفخفاخ بالتقنيات المختلفة وخاصة بالباستيل سنة 1989 وبداية التسعينات. (...).
كأن اللمسات تصبح بقعا متناثرة والبقع لطخات لونية تتناسل من بعضها كتناسل المفردات من بعضها داخل خطاب تشكيلي يقوم على التوليد أو المايوتيك (Maïeutique)، وفي كتابه من المجرّد إلى الممكن(Cool يقول الفنان والمنظر جورج ماتيو (Georges Mathieu) وهو أحد رواد الفن الحركي الحديث «إن من مميزات التبقيعية (Tachisme) أنها تعني، على الأقل، نوعا من فن الرسم المباشر... ويقع اللجوء إلى البقعة نظرا لحاجتنا إلى نوع من المساحة اللونية، في موضع ما من اللوحة. والسبيل المباشر إلى ذلك هو أن نضع الفرشاة على القماشة بنوع من العنف... دون أن يقع بصفة مسبقة، تحديد الفضاء المراد تلوينه».



نقد:في الفن التشكيلي 18
نقد:في الفن التشكيلي 17
ترابط «ج 4» أكريليك على ورق : 1984 64 صم/64 صم

ترابط «ب4» أكريليك على ورق 1984 64 صم / 64 صم


نقد:في الفن التشكيلي 19
تقنية ممزوجة على ورق 2 «أثر أثر أثر» 1988 30 صم /40 صم
إننا بصدد جمالية الارتجالية الفنية (Improvisation) والسرعة في الأداء (إذا ما وظفنا لغة الناقد الفرنسي بلاز دوستال Blaise Dustel) (9). أو كما ينعتها المنظر الفرنسي مارسيل بريــــون (Marcel Brion) بجماليــة الصرخــة والحركية أو كما ينعتها المنظر الفرنسي مارسال بريون (Marcel Brion) بجمالية الصخرة والحركية (10).
بل إن جرأة هذه التداعيات الحركية أدت إلى تجميع حساسيات لونية متنافرة ما بين الكتلة والأخرى، داخل اللوحة، أو ما بين اللوحة والأخرى داخل المعرض. ومن ذلك هذه الثنائيات المتقابلة مثل الأخضر والبنفسجي، والبرتقالي والأزرق... كأننا بإزاء جمالية تفتعل الاختلال والنشاز بنوع من الجسارة. ولكن ألا يبدو الاختلال «منظما» والنشاز «جميلا» داخل اللوحة؟ بل إن العمل الفني، يحتكم هاهنا إلى العديد من المقومات والمؤثرات التشكيلية. إذ نلاحظ اعتمادا على تقنية التشاف، مما يدعم نضارة الألوان وتعبيريتها. إن «إشراقات اللون» تتفاعل مع حركية الألوان الشمعية التي تذوب في الفضاء الفني. وبين هذا وذاك، ثمّة صراع مع المادة اللونية وما تبدو عملية ثخونتها وصلابتها، من أجل إخضاعها إلى شفافية الذات وروحانيتها. وكان يمكن تحقيق نتائج أبعد من ذلك لو وقع الاعتماد على الدهن الزيتي عوضا عن الأكريليك.
ثمّة إذن، تدخل إرادي أساسه البحث الدقيق عن التوازنات اللونية والفضائية. إذ على إثر التفاعل اللانفعالي ـ الوجداني مع اللون، يتدخل العقل لترويض المساحات والكتل والتنسيق بينها. هناك معالجة لونية تعتمد الحسابات الدقيقة لضبط الفصائل اللونية الأكثر ملاءمة وتأمين توازناتها. وهي معالجة تبدأ على المطفة، عند إحضار حاجيات الفنان من الألوان، ثم تتواصل على اللوحة. فهل تصبح اللوحة بحثا عن التوازن اللوني المحبوك وتنسيقا نغميا بين ألوان تبدو متنافرة، ما بين ساخن وبارد أو ما بين أحمر وأزرق؟
ولكن الفنان لا يمكن أن يبتكر من الألوان ما هو خارج عن مجال الطبيعة. إنه يرتب هذه العناصر اللونية داخل فعل إبداعي ما.



نقد:في الفن التشكيلي 23
نقد:في الفن التشكيلي 21
نقد:في الفن التشكيلي 20

تقنية على قماش: «صراع» أكريك -1995 80 صم/100صم
تقنية ممزوجة على ورق : تنويعات «11» 1997 - 24 صم/32 صم

تقنية ممزوجة على ورق : تنويعات «10» 1997 - 24 صم / 32 صم
نقد:في الفن التشكيلي 24
تقنية ممزوجة على ورق : تنويعات «6» أكريليك 1988 - 70 صم / 105 صم

على هذا الأساس، قد يجوز لنا أن نقيم موازنة بين أعمال رشيد الفخفاخ المغرقة في التجريد واللاشكلي وبين شاعرية الألوان على نحو ما يتغنـــى بها الشاعـــر الفرنســي شارل بـودلير (Charles Baudelaire) الذي يـقـول في كـتابات في الفـن(11) (Ecrits sur l’Art) : «إن الأخضر هو عمق الطبيعة، لأن اللون الأخضر يتزاوج بسهولة مع كل الألوان الأخرى... إن اللون الأحمر يتغنى بمجد الأخضر وغبطته، أما الأسود فيضع حدا للنزاع الذي بين الأزرق والأحمر... وسريعا ما تزيح هذه الظلال الزرقاء الشاسعة كتلة هذه اللوينات البرتقالية التي تشبه صدى الضوء الخفيف الآتي من بعيد... إن هذا التسلسل النغمي أو هذه الموسيقى، حيث يطل التـّـنوّع أبدا من عمق اللانهائية، أو هذا النشيد المعقد المنساب، هو ما نسمّـيه بالألوان. كل الفنانين الملوّنين، يواصل شارل بودلار، هم بمثابة شعراء ملحيّين بينما كل الرسامين الذين يقتصرون على الخطوط هم فلاسفة عقلانيون يجرّدون الجواهر من موادّها».
وهكذا، بمجرّد أن يخرج الفنان من المخبر إلى المرسم وبمجرّد أن تخرج الألوان من التجربة المخبرية إلى التجربة الجمالية الإبداعية، ومن المطفة (Palette) إلى اللوحة... تصبح كل الافتراضات العقلانية لاغية وتصبح أبسط المعادلات الحسابية خاطئة.
إنّ من قوة العمل الفنيّ الحقيقي أنه يقاوم دوما قدرة النقاد على استهلاكه... بل ومن خصوصية الفن وعظمته أن العمل الفني قادر على قول ما لم يقله الفنان ويفصح عما سكت عنه...
ولكن الكلمات تنسرب رويدا رويدا...
تخترق الزمن المستحيل
وتنبت بين الصخور زهور الأغنيات
والأمنيات
تحت غيم الخريف
وتنشب في الذاكرة اللون الأحمر
ثم تورق في عتمة اللوحة أشلاء الكلمات
ويشرق ضياء الفن كألوان قوس قزح...
ويحاصرنا وهج القصيدة في عمق اللوحة
إنها ملحمة الألوان في أعمق شاعريتها وغنائيتها الحية وهي تغادر عقلانية العقل لتقتحم شعرية الشعر.
وذلك أفق آخر في شخصية الفخفاخ، أفق سكتت عنه سيرته الذاتية فيما أفصحت عنه اللوحة... ولن أفصّـل.
المراجع والمصادر
(*) ألقيت هذه المداخلة في مجلس تكريمي من مجالس الفنون خصص للفنان رشيد الفخفاخ، المركز الثقافي لمدينة تونس، 15 ديسمبر 2006
1) Création et Patrimoine, Edilis et Beit El Hikma, 1992, p. 82.
2) Ibid, p. 83.
3) المفردة في الفنون التشكيلية، مركز الفن الحي لمدينة تونس، البلفيدير 1988.
4) Diderot (Denis), Traité du Beau et Autres Essais. Marabout Université,. (Belgique) 1973. chap. II, p. 69 : «C’est le dessin qui donne forme aux êtres, c’est la couleur qui leur donne vie».
5) Baudelaire (Charles), Ecrits sur l’Art, T. 1. Le Livre de Poche. Paris, 1971.
6) Op. cit.
7) Pierre Restany : Lyrisme et Abstraction. Editions Apolinaire, Milan, 1960.
Cool Georges Mathieu : De l’Abstrait au Possible. Cercle d’Art Contemporain, Zürich, 1959, p. 34.
9) Dustel (Blaise), «Elément Vitesse», Le Matin d’ENVERS, 1961
10) Brion (Marcel), Age-Nouveau, Mars 1955, p. 80.
11) Baudelaire (Charles), Op. cit., p. 149.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
rss
عضو نشيط
عضو نشيط



تـآريخ إنضمــآمي : 20/07/2011 مُشـآركـآتي : 555 السٌّمعَة : 0

نقد:في الفن التشكيلي Empty
مُساهمةموضوع: _da3m_4   نقد:في الفن التشكيلي Empty11/3/2013, 21:36

موضوع رائع بوركت
نقد:في الفن التشكيلي 4
نقد:في الفن التشكيلي 128711691410
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نقد:في الفن التشكيلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موضوع في الفن مع الإصلاح
» قصائد قيثارة الفن الشعبي محمود بيرم التونسي
» مفاجاة جديدة لعشاق الفن الملتزم: كلمات مجموعة هامة من اغاني الشيخ امام
» فلسفة الفن عند نيتشه وهيدجر
» Divertissement, Art, Musique - الترفيه , الفن , الموسيقا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اكاديمية طلاب الجزائر :: دليل الآقسام العامة :: الساحه الادبيه-
انتقل الى: