من يوميات فتاة في ساحة الحرية
هذه القصيدة توثق أحداث الاثنين5/4/2011م في مدينة تعز اليمنية والتي راح ضحيتها 17شهيدا من الثوار على أيدي قوات النظام
كان صباحاً كالوردِ
كان الأجمل
كان الأروع
كان صباحاً أسطورياً, بثورتهم يتغنى صنَّاع المجد
يا أمي, كانوا أطفالاً وشباباً يحتجون
يا أمي, كانوا في الشارع يغتسلون
أرهقهم هذا الحاكم
صورهم غجراً وقبائلَ يمتضغون القات
صورهم أشتاتاً ورعاعاً لا يأتمرون
قدمهم يوماً وثنيون ورجعيون
سوَّقهم إرهاباً للعالم في القرن الواحد والعشرين
فانسلخوا من جِلدتهم
خرجوا من هذي الأوصاف القذرة يغتسلون
انطلقوا للثورة يا أمي أحفاد النعمان
وقفوا يتلون رسالتهم
كانوا في الشارع يا أماه ملائكَ تحت ظلال الكلمات
لا تسمعهم يا أمي أبواب القصر. وقد غضبت لهم الأموات
أجهزة الأمن تصمُّ مسامعها
ترهبها كلمة "سلمية"
فاض الكيل بحاكمهم:"
إني أمقتكم. أكرهكم.
اقلع يا جَنَدي من القاموس حكاية سلمية
إنِّي أمقتها..
يا صوفي, هات الألفاض الوحشية
إن لم تجدوا يا جابر. الق الأعيرة النارية
اجمع كل بلاطجتي, اقتحم الحارات
اقصف ميدان الحرية
فالثورة تبدوا تعزية
وأنا مرعوبٌ مرعوبٌ
من طوفان الحرية"
*****
كان صباحاً يا أمي تسكنه الروح الثورية
وشباب الثورة يحتشدون
فاض الشارع يا أمي بلغ المليون
"ارحل"
معزوفةٌ شرقيةٌ يشدو بأحرفها التبابعة الصغار
كان الصباح الحِميَرِي. يعيد أمجاد الكبار
كان الهوى وضاح والباهوت
كانت المدينة, أنشودة انتصار
يصيح من حصارها نيرون:" دمروا المدينة
ومزقوا الحناجر التي تزلزل السكينة
ارحل كبيرة علَيَّ.. احرقوا المدينة"
****
نيرون يا أمي, يوجه الكتيبة الأولى من الحرس
نيرون شتلةٌ خبيثةٌ كشرِّ من غرس
يستنفر القوى ويحشد العساكر
يذبِّح الشباب في شوارع المدينة؛ ليربح السكاكر
وفجأةً .. يفجرون الأرض بالقنابل
من هاهنا تصدهم كتيبةٌ
وهاهنا يمزق الرشاشُ حزمة الورود
أصبحنا في نضالنا. النسخة الأخرى لأطفال الحجارة
****
لم تهدأ الصيحات "ارحل"
يقولها في الشمس مليونا بطل
وقنابل الغازات يا أمي تبدد الأمل
تقدمي نمدهم بالماء بالدواء بالبصل
****
لم تهدأ الصيحات في حناجر الشباب"ارحل"
أيستوي هذا القتال و القتال؟!
هنا شهيد
كالبدر في عيني سقط
وذا جريح
أحمله في يدي. اثنان. سبعة عشر!!
آه
لا تحزني أماه
فالد الذي ترينه ضريبةٌ. من ألف عامٍ سنها الأوائل
ما أروع الثوار في سا حاتنا أماه
يقبِّلون الماء والتراب
كي تَنبِتُ الأعشاب والسنابل
****
لم تفتر الصيحات في المساء "ارحل"
لم تنتهِ معارك النظام
محمرَّةٌ بنادق الضباط والجنود
تصبُّ أعتى نارها في الرُّكع السجود
رصاصةٌ تصيب راس الثائر البطل
وآخرٌ بجواره, يكابد الحياة
وآخرون ينزفون
إبادةٌ إبادةٌ. نهرٌ من الدماء
لا أدري كم في هذه اللحظات يسقطون
كم الذين يُحملون
بمشاعري ألفهم
بدموعيَ التي أريقها أضمِّد الجروح
وأوقد المشاعل
****
مهما أراقوا دمنا. سيرحلون
مهما استباحوا عرضنا وتفجرت عين الصغار
سنواصل المشوار عهداً مننا لدم الشهيد وموثقاً للأمهات
سنرافق الثوار يا أماه لن نخشى السموم و لا دمار القاذفات
ولأجل هذي الثورة البيضاء يا أمي, سأسكب العرق
وأحبس الموع في الحدق
وأترك الخضاب والدفاتر
فالموت في حياتنا شيءٌ من النزق
لا تحزني إن متُّ فالحياة حسبةٌ على الورق
وتذكري إن متُّ إبنتكِ التي ثارت على الليل الغسق
سأعود...
سأعود شيئاً من أريج الورد ما بين الحدائق والأنامل
سأعود شيئاً من جميل الذكريات من الحنين من السنابل
سأعود لا تتوجعي
عبر النوافذ والمداخل
ستعود بسمتكِ فنحن صامدون
أقسمتُ يا أمي وأقسم هؤلاء الثائرون
أن نروي الزهور من عرق الجبال
ونزف أروى كي يباركها المظفر والأوائل
ولعينها بلقيس من أؤرواحنا
سنقدم القربان إجلالاً ونقتاد الأيائل.
من يوميات فتاة في ساحة الحرية/ اليمن / تعز
